شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٣٥
لا يثيب عليها ومعنى الموازنة أنه لا يثيب عليها ولا يعاقب على المعصية بقدرها من غير أن يتحقق في الخارج استحقاقات بينها منافاة ومفاناة وأما الثواب والعقاب فلا وجود لهما إلا في الآخرة وحينئذ لا اجتماع بينهما ولا اندفاع بل ذلك إلى حكم الله ومشيئته على وفق حكمته والأقرب ما قال إمام الحرمين أنه ليس بإزاء معرفة الله تعالى كبيرة يرى وزرها على أجرها فكان من حقهم أن يدرؤا بها جميع الكبائر فإذا لم يفعلوا ذلك بطل هذيانهم بتغالب الأعمال وسقوط أقلها بأكثرها ومما يجب التنبيه له أنه لا فرق عندهم بين أن يكون المعاصي طارية على الطاعات أو سابقة عليها أو متخللة بينهما وأن ما يوهم به كلام البعض من اختصاص الحكم بما إذا كانت الكبيرة طارية ليس بشيء قال المبحث الثاني عشر اتفقت الأمة ونطق الكتاب والسنة بأن الله تعالى عفو غفور يعفو عن الصغاير مطلقا وعن الكباير بعد التوبة ولا يعفو عن الكفر قطعا وإن جاز عقلا ومنع بعضهم الجواز العقلي أيضا لأنه مخالف لحكمة التفرقة بين من أحسن غاية الإحسان ومن أساء غاية الإساءة وضعفه ظاهر واختلفوا في العفو عن الكباير بدون التوبة فجوزه الأصحاب بل أثبتوه خلافا للمعتزلة حيث منعوه سمعا وإن جاز عقلا عند الأكثرين منهم حتى صرح بعض المتأخرين منهم بأن القول بعدم حسن العفو عن المستحق للعقاب عقلا قول أبي القاسم الكعبي لنا على الجواز أن العقاب حقه فيحسن إسقاطه مع أن فيه نفعا للعبد من غير ضرر لأحد وعلى الوقوع الآيات والأحاديث الناطقة بالعفو والغفران وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات أو يوبقهن بما كسبوا ويعفو عن كثير * (إن الله يغفر الذنوب جميعا) * * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * * (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) * وفي الأحاديث كثرة ومعنى العفو والغفران ترك عقوبة المجرم والستر عليه بعدم المؤاخذة لا يقال يجوز حمل النصوص على العفو عن الصغاير أو عن الكباير بعد التوبة أو على تأخير العقوبات المستحقة أو على عدم شرع الحدود في عامة المعاصي أو على ترك وضع إلا صار عليهم من التكاليف المهلكة كما على الأمم السالفة أو على ترك ما فعل ببعض الأمم من المسخ وكتبة الآثام على الجباه ونحو ذلك بما يفضحهم في الدنيا لأنا نقول هذا مع كونه عدولا عن الظاهر بلا دليل وتقييد للإطلاق بلا قرينة وتخصيصا للعام بلا مخصص ومخالفة لا لأقاويل من يعتد به من المفسرين بلا ضرورة وتفريقا بين الآيات والأحاديث الصحيحة الصريحة في هذا المعنى بلا فارق مما لا يكاد يصح في بعض الآيات كقوله تعالى * (إن الله لا يغفر أن يشرك به) * الآية فإن المغفرة بالتوبة تعم الشرك وما دونه فلا تصح التفرقة بإثباتها لما دونه وكذا تعم كل أحد من العصاة فلا تلائم التعليق بمن يشاء المفيد للبعضية وكذا مغفرة الصغاير على أن في تخصيصها إخلالا بالمقصود أعني تهويل شأن الشرك ببلوغه النهاية في القبح بحيث لا يغفر ويغفر جميع ما سواه ولو كبيرة في الغاية وأما باقي المعاني المذكورة فربما يكون
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»