شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٢٧
المدعى هذا والمذهب جواز الخلف في الوعيد بأن لا يقع العذاب وحينئذ يتأكد الإشكال وسنتكلم عليه في بحث العفو إن شاء الله تعالى قال خاتمة في فروع للمعتزلة على استحقاق الثواب والعقاب منها أنهم بعد الاتفاق على أنه يستحق الثواب والمدح بفعل الواجب والمندوب وفعل ضد القبيح بشرط أن يكون فعل الواجب لوجوبه كالواجب المعين أو لوجه وجوبه كالواجب المخير وفعل المندوب لندبيته أو لوجه ندبيته وفعل ضد القبيح لكونه تركا للقبيح بأن يفعل المباح لكونه تركا للحرام ويستحق العذاب والذم بفعل القبيح اختلفوا في أنه هل يستحق المدح والثواب بالإخلال بالقبيح لكونه إخلالا به والذم والعقاب على الإخلال بالواجب فقال المتقدمون لا بل إنما يستحق المدح والثواب بفعل عند الإخلال بالقبيح هو ترك القبيح والذم والعقاب على فعل عند الإخلال بالواجب هو ترك الواجب لأن الإخلال عدمي لا يصلح علة للاستحقاق الوجودي ولأن كل أحد يخل كل لحظة بما لا يتناهى من القبايح وقال المتأخرون كأبي هاشم وأبي الحسين وعبدالجبار نعم للنصوص الصريحة في تعليل العقاب بعدم الإتيان بالواجب كقوله تعالى * (خذوه فغلوه) * إلى قوله * (إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين) * وكقوله حكاية * (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين) * ومنها أنه يجب اقتران الثواب بالتعظيم والعقاب بالإهانة للعلم الضروري باستتحقاقهما وقيل لأنه يحسن التفضل بالمنافع العظيمة ابتداء فإلزام المشاق والمضار لأجلها يكون عبثا بخلاف التعظيم فإنه لا يحسن التفضل به ابتداء من غير استحقاق كتعظيم البهائم والصبيان ومنها أنه يجب دوامهما لكونه لطفا أو يقرب المكلف إلى الطاعة ويبعده عن المعصية ولأن التفضل بالمنافع الدائمة حسن إجماعا فلا يحسن التكليف للثواب المنقطع الذي هو أدنى حالا ومنها أنه يجب خلوصهما عن الشوب لكونه أدخل في الترغيب والترهيب ولأنه واجب في العوض مع كونه أدنى حالا من الثواب لخلوه عن التعظيم فإن قيل ثواب أهل الجنة يشوبه شوق كل ذي مرتبة إلى ما فوقها ومشقة وجوب شكر المنعم وترك القبايح وعقاب أهل النار يشوبه ثواب ترك القبايح فيها أجيب بأن كل ذي مرتبة في الجنة يكون فرحا بما عنده لا يطلب الأعلى ويعد الشكر لذة وسرورا لا يحصى ويكون في شغل شاغل عن القبايح وذكرها والتألم بتركها وأهل النار لا يثابون لكونهم مضطرين إلى ترك القبايح ومنها اختلافهم في وقت استحقاق الثواب والعقاب فعند البصرية حالة الطاعة والمعصية وعند البغدادية في الآخرة وقيل في حال الاحترام وقيل وقت الفعل بشرط الموافاة وهو أن لا تحبط الطاعة والمعصية إلى الموت وليس لأحد تمسك يعول عليه سوى ما قيل بأن المدح والذم يثبتان حال الفعل فكذا الثواب والعقاب لكونهما من موجبات الفعل مثلهما وإنما حسن تأخير تمام الثواب إلى دار الآخرة لمانع وهو لزوم الجمع بين المتنافيين فإن من شرط الثواب الخلوص عن شوب المشاق
(٢٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 ... » »»