شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٢٦
يقوم بمؤنته وإزاحة علله والولد على خدمته لأبيه الذي يربيه وعلى مراعاته وتوخي مرضاته لا يقال لا يجوز أن تكون الطاعة شكرا للنعمة لأن العقلاء يستقبحون الإحسان إلى الغير لتكليفه الشكر ولأن الشكر يتصور بدون تكليف المشاق والمضار كشكر أهل الجنة فلا بد لتكليف المشاق من عوض ليخرج عن العبث لأنا نقول بعد تسليم قاعدة الحسن والقبح ولزوم العوض وقبح الإحسان لتكليف الشكر فوجوب الشكر على الإحسان لا يوجب كون الإحسان لأجله حتى يقبح وكون تكليف المشاق لغرض لا يوجب كونه لغرض ولو سلم لكفى بترتب التفضل عليه عوضا الثالث أنه لو وجب الثواب والعقاب بطريق الاستحقاق وترتب المسبب على السبب لزم أن يثاب من واظب طول عمره على الطاعات وارتد نعوذ بالله تعالى في آخر الحياة وأن يعاقب من أصر دهرا على كفره وتبرأ وأخلص الإيمان في آخر عمره ضرورة تحقق الوجوب والاستحقاق واللازم باطل بالاتفاق لا يقال يجوز أن يكون موت المطيع على الطاعة والعاصي على المعصية شرطا في استحقاق الثواب والعقاب على ما هو قاعدة الموافاة لأنا نقول لو كان كذلك لم يتحقق الاستحقاق أصلا لعدم الشرط عند تحقق العلة وانقضاء العلة عند تحقق الشرط احتج المخالف بوجوه الأول أن إلزام المشاق من غير منفعة مؤقتة تقابلها تكون ظلما والله منزه عن الظلم وتلك المنفعة هي الثواب ثم أن الفعل لا يجب عقلا لأجل تحصيل المنفعة وإلا لوجب النوافل وإنما يجب لدفع المضرة فلزم استحقاق العقاب بتركه ليحسن إيجابه ورد بعد تسليم لزوم الغرض بأنه يجوز أن يكون شكرا للنعم السابقة أو يكون الغرض أمرا آخر كحصول السرور بالمدح على أداء الواجب واحتمال المشاق في طاعة الخالق على أنه يجوز أن يكون إيجاب الواجبات بناء على أن لها وجه وجوب في أنفسها وما يقال من أنه لو كان كذلك لوجب على الله تعالى أن لا يجعلها شاقة علينا بأن يزيد في قوانا لأن وجه الوجوب لا يتوقف على كونها شاقة كرد الوديعة وترك الظلم يجب سواء كان شاقا أو لا فليس بشيء لجواز أن يكون وجوبها بهذا الوجه ولأن الوجوب وإن لم يتوقف على كونها شاقة لكن لم يكن منافيا لذلك فيجوز أن تجعل شاقة لغرض آخر الثاني أنه لو لم يجب الثواب والعقاب لأفضى ذلك إلى التواني في الطاعات والاجتراء على المعاصي لأن الطاعات مشاق ومخالفات للهوى لا تميل إليها إلا بعد القطع بلذات ومنافع تربى عليها والمعاصي شهوات ومستلذات لا ينزجر عنها النفس إلا مع القطع بآلام ومضار تترتب عليها ورد بأن شمول الوعد والوعيد للكل وغلبة ظن الوفاء بهما وكثرة الأخبار والآثار في ذلك كاف في الترغيب والترهيب ومجرد جواز الترك غير قادح الثالث الآيات والأحاديث الواردة في تحقق الثواب والعقاب يوم الجزاء فلو لم يجب وجاز العدم لزم الخلف والكذب ورد بأن غايته الوقوع البتة وهو لا يستلزم الوجوب على الله والاستحقاق من العبد على ما هو
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»