أنها تتعلق بأجرام سماوية لا على أن تكون نفوسا لها مدبرة لأمورها بل على أن تستعملها لإمكان التخيل ثم تتخيل الصور التي كانت معتقدة عندها وفي وهمها فتشاهد الخيرات الأخروية على حسب ما تتخيلها قالوا ويجوز أن يكون هذا الجرم متولدا من الهواء والأدخنة من غير أن يقارن مزاجا يقتضي فيضان نفس إنسانية ثم إن الحكماء وإن لم يثبتوا المعاد الجسماني والثواب والعقاب المحسوسين فلم ينكروها غاية الإنكار بل جعلوها من الممكنات لا على وجه إعادة المعدوم وجوزوا حمل الآيات الواردة فيها على ظواهرها وصرحوا بأن ذلك ليس مخالفا للأصول الحكمية والقواعد الفلسفية ولا مستبعد الوقوع في الحكمة الإلهية لأن للتبشير والإنذار نفعا ظاهرا في أمر نظام المعاش وصلاح المعاد ثم الإيفاء بذلك التبشير والإنذار بثواب المطيع وعقاب العاصي تأكيد لذلك وموجب لازدياد النفع فيكون خيرا بالقياس إلى الأكثرين وإن كان ضرا في حق المعذب فيكون من جملة الخير الكثير الذي يلزمه شر قليل بمنزلة قطع العضو لإصلاح البدن قال المبحث التاسع الثواب فضل من الله تعالى والعقاب عدل من غير وجوب عليه ولا استحقاق من العبد خلافا للمعتزلة إلا أن الخلف في الوعد نقص لا يجوز أن ينسب إلى الله تعالى فيثيب المطيع البتة إنجازا لوعده بخلاف الخلف في الوعيد فإنه فضل وكرم يجوز إسناده إليه فيجوز أن لا يعاقب العاصي ووافقنا في ذلك البصريون من المعتزلة وكثير من البغداديين ومعنى كون الثواب أو العقاب غير مستحق أنه ليس له حقا لازما يقبح تركه وأما الاستحقاق بمعنى ترتبهما على الأفعال والتروك وملايمة إضافتهما إليهما في مجاري العقول والعادات فمما لا نزاع فيه كيف وقد ورد بذلك الكتاب والسنة في مواضع لا تحصى وأجمع السلف على أن كلا من فعل الواجب والمندوب ينتهض سببا للثواب ومن فعل الحرام وترك الواجب سببا للعقاب وبنوا أمر الترغيب في اكتساب الحسنات واجتناب السيئات على إفادتهما الثواب والعقاب لنا وجوه الأول وهو العمدة ما مر أنه لا يجب على الله تعالى شيء لا الثواب على الطاعة ولا العقاب على المعصية الثاني أن طاعات العبد وإن كثرت لا تفي بشكر بعض ما أنعم الله عليه فكيف يتصور استحقاق عوض عليها ولو استحق العبد بشكره الواجب عوضا لاستحق الرب على ما يوليه من الثواب عوضا وكذا العبد على خدمته لسيده الذي
(٢٢٥)