والنار وسائر ما ورد به الشرع من التفاصيل لكن في عالم المثل لا من جنس المحسوسات المحضة على ما يقول به الإسلاميون وأما الأكثرون فيجعلون ذلك من قبيل اللذات والآلام العقلية وذلك أن النفوس البشرية سواء جعلت أزلية كما هو رأي أفلاطون أو لا كما هو رأي أرسطو فهي أبدية عندهم لا تفنى بجراب البدن بل تبقى ملتذة بكمالاتها مبتهجة بإدراكاتها وذلك سعادتها وثوابها وجنانها على اختلاف المراتب وتفاوت الأحوال أو متألمة بفقد الكمالات وفساد الاعتقادات وذلك شقاوتها وعقابها ونيرانها على ما لها من اختلاف التفاصيل وإنما لم تتنبه لذلك في هذا العالم لاستغراقها في تدبير البدن وانغماسها في كدورات عالم الطبيعة لما بها من العلايق والعوايق الزايلة بمفارقة البدن فما ورد في لسان الشرع من تفاصيل الثواب والعقاب وما يتعلق بذلك من السمعيات فهي مجازات وعبارت عن تفاصيل أحوالها في السعادة والشقاوة واختلاف أحوالها في اللذات والآلالم والتدرج مما لها من دركات الشقاوة إلى درجات السعادة فإن الشقاوة السرمدية إنما هي الجهل المركب الراسخ والشرارة المضادة للملكة الفاضلة لا الجهل البسيط والأخلاق الخالية عن غايتي الفضل والشرارة فإن شقاوتها منقطعة بل ربما لا تقتضي الشقاوة أصلا وتفصيل ذلك أن فوات كمالات النفس يكون إما لأمر عدمي كنقصان غريزة العقل أو وجودي كوجود الأمور المضادة للكمالات وهي إما راسخة أو غير راسخة وكل واحد من الأقسام الثلاثة إما أن يكون بحسب القوة النظرية أو العملية يصير ستة فالذي بحسب نقصان الغريزة في القوتين معا فهو غير مجبور بعد الموت ولا عذاب بسببه أصلا والذي بسبب مضاد راسخ في القوة النظرية كالجهل المركب الذي صار صورة للنفس غير مفارقة عنها فغير مجبور أيضا لكن عذابه دايم وأما الثلاثة الباقية أعني النظرية غير الراسخة كاعتقادات العوام والمقلدة والعملية الراسخة وغير الراسخة كالأخلاق والملكات الردية المستحكمة وغير المستحكمة فيزول بعد الموت لعدم رسوخها أو لكونها هيئات مستفادة من الأفعال والأمزجة فيزول بزوالها لكنها تختلف في شدة الرداءة وضعفها وفي سرعة الزوال وبطئه فيختلف العذاب بها في الكم والكيف بحسب الاختلافين وهذا إذا عرفت النفس أن لها كمالا فإنها لاكتسابها ما يضاد الكمال أو لاشتغالها بما يصرفها عن اكتساب الكمال أو لتكاسلها في اقتناء الكمال وعدم اشتغالها بشيء من العلوم وأما النفوس السليمة الخالية عن الكمال وعما يضاده وعن الشوق إلى الكمال فتبقى في سعة من رحمة الله تعالى خالصة من البدن إلى سعادة تليق بها غير متألمة بما يتأذى به الأشقياء إلا أنه ذهب بعض الفلاسفة إلى أنها لا يجوز أن تكون معطلة عن الإدراك فلا بد أن تتعلق بأجسام أخر لما أنها لا تدرك إلا بالآلات الجسمانية وحينئذ إما أن تصير مبادي صور لها وتكون نفوسا لها وهذا هو القول بالتناسخ وإما أن لا تصير وهذا هو الذي مال إليه ابن سينا والفارابي من
(٢٢٤)