شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٣٠
التمسك بأن الخلود في النار أشد العذاب وقد جعل جزاء لأشد الجنايات وهو الكفر فلا يصح جعله جزاء بما هو دونه كالمعاصي فربما يدفع بتفاوت مراتب العذاب في الشدة وإن تساوت في عدم الانقطاع الخامس أنه استحق الثواب بالإيمان والطاعات عقلا عندكم ووعدا عندنا ولا يزول ذلك الاستحقاق بارتكاب الكبيرة لما سيجيء فيكون لزوم اتصال الثواب إليه بحالة وما ذاك إلا بالخروج من النار والدخول في الجنة وهو المطلوب واحتجت المعتزلة بوجوه الأول الآيات الدالة على الخلود المتناولة للكافر وغيره كقوله تعالى * (ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها) * وقوله * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) * وقوله * (وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) * ومثل هذا مسوق للتأييد ونفي الخروج وقوله * (وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين) * وعدم الغيبة عن النار خلود فيها وقوله * (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها) * وليس المراد تعدي جميع الحدود بارتكاب الكبائر كلها تركا وإتيانا فإنه محال لما بين البعض من التضاد كاليهودية والنصرانية والمجوسية فيحمل على مورد الآية من حدود المواريث وقوله بلا * (من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * والجواب بعد تسليم كون الصيغ للعموم أن العموم غير مراد في الآية الأولى للقطع بخروج التائب وأصحاب الصغائر وصاحب الكبيرة الغير المنصوصة إذا أتى بعدها بطاعات يربى ثوابها على عقوباته فليكن مرتكب الكبيرة من المؤمنين أيضا خارجا بما سبق من الآيات والأدلة وبالجلمة فالعام المخرج منه البعض لا يفيد القطع وفاقا ولو سلم فلا نسلم تأبيد الاستحقاق بل هو مغيا بغاية رؤية الوعيد لقوله بعده * (حتى إذا رأوا ما يوعدون) * ولو سلم فغايته الدلالة على استحقاق العذاب المؤبد لا على الوقوع كما هو المتنازع لجواز الخروج بالعفو وما يقال من أنا لا نسلم كون حتى للغاية بل هي ابتدائية ولو سلم فغاية لقوله * (يكونون عليه لبدا) * أو لمحذوف أي يكونون على ما هم عليه حتى يروا فخارج عن قانون التوجيه وكذا ما يقال أنه لما ثبت الاستحقاق المؤبد جزما وهو مختلف فيه حصل إلزام الخصم ولم يثبت العفو والخروج بالشك وعن الثانية بأن معنى متعمدا مستحلا فعله على ما ذكره ابن عباس رضي الله تعالى عنه إذ التعمد على الحقيقة إنما يكون من المستحل أو بأن التعليق بالوصف يشعر بالحيثية فيخص بمن قتل المؤمن لإيمانه أو بأن الخلود وإن كان ظاهرا في الدوام والمراد ههنا المكث الطويل جمعا بين الأدلة لا يقال الخلود حقيقة في التأبيد لتبادر الفهم إليه ولقوله تعالى * (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) * ولأنه يؤكد بلفظ التأبيد مثل * (خالدين فيها أبدا) * وتأكيد الشيء تقوية لمدلوله ولأن العمومات المقرونة بالخلود متناولة للكفار والمراد في حقهم التأبيد وفاقا فكذا في حق الفساق لئلا يلزم إرادة معنيي المشترك أو المعنى الحقيقي والمجازي
(٢٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 ... » »»