بعدها أبدا والحكمة في هذه المحاسبة والأهوال مع أن المحاسب خبير والناقد بصير ظهور مراتب أرباب الكمال وفضايح أصحاب النقصان على رؤس الأشهاد زيادة في الذات هؤلاء ومسراتهم وآلام أولئك وأحزانهم ثم في هذا ترغيب في الحسنات وزجر عن السيئات وهل يظهر أثر هذه الأهوال في الأنبياء والأولياء والصلحاء والأتقياء فيه تردد والظاهر السلامة لقوله تعالى * (تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا) * * (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * ومنها الصراط وهو جسر ممدود على متن جهنم يرده الأولون والآخرون أدق من الشعر وأحد من السيف على ما ورد في الحديث الصحيح ويشبه أن يكون المرور عليه هو المراد بورود كل أحد النار على ما قال تعالى * (وإن منكم إلا واردها) * وأنكره القاضي عبد الجبار وكثير من المعتزلة زعما منهم أنه لا يمكن الحظور عليه ولو أمكن ففيه تعذيب ولا عذاب على المؤمنين والصلحاء يوم القيامة قالوا بل المراد به طريق الجنة المشار إليه بقوله تعالى * (سيهديهم ويصلح بالهم) * وطريق النار المشار إليه بقوله * (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) * وقيل المراد الأدلة الواضحة وقيل العبادات كالصلاة والزكاة ونحوهما وقيل الأعمال الردية التي يسأل عنها ويؤاخذ بها كأنه يمر عليها ويطول المرور بكثرتها ويقصر بقلتها والجواب أن إمكان العبور ظاهر كالمشي على الماء والطيران في الهواء غايته مخالفة العادة ثم الله تعالى يسهل الطريق على من أراد كما جاء في الحديث إن منهم من يمر كالبرق الخاطف ومنهم من يمر كالريح الهابة ومنهم من يمر كالجواد ومنهم من تخور رجلاه وتتعلق يداه ومنهم من يخر على وجهه ومنها الميزان قال الله تعالى * (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) * وقال * (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية) * ذهب كثير من المفسرين إلى أنه ميزان له كفتان ولسان وساقان عملا بالحقيقة لإمكانها وقد ورد في الحديث تفسيره بذلك وأنكره بعض المعتزلة ذهابا إلى أن الأعمال أعراض لا يمكن وزنها فكيف إذا زالت وتلاشت بل المراد به العدل الثابت في كل شيء ولذا ذكره بلفظ الجمع وإلا فالميزان المشهور واحد وقيل هو الإدراك فميزان الألوان البصر والأصوات السمع والطعوم الذوق وكذا سائر الحواس وميزان المعقولات العلم والعقل وأجيب بأنه يوزن صحايف الأعمال وقيل بل تجعل الحسنات أجساما نورانية والسيئات أجساما ظلمانية وأما لفظ الجمع فللاستعظام وقيل لكل مكلف ميزان وإنما الميزان الكبير واحد إظهارا لجلالة الأمر وعظمة المقام ومنها الحوض قال تعالى * (إنا أعطيناك الكوثر) * وفي الحديث حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه أكثر من نجوم السماء من شرب منها فلا يظمأ أبدا وقال الصحابة له عليه السلام أين نطلبك يوم الحشر فقال على الصراط فإن لم تجدوا فعلى الميزان فإن لم تجدوا فعلى الحوض قال المبحث الثامن في تقرير مذهب الحكماء في الجنة والنار والثواب والعقاب أما القائلون بعالم المثل فيقولون بالجنة
(٢٢٣)