شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٢٩
كلاهما في مشيئة الله تعالى لكن على تقدير التعذيب نقطع بأنه لا يخلد في النار بل يخرج البتة لا بطريق الوجوب على الله تعالى بل بمقتضى ما سبق من الوعد وثبت بالدليل كتخليد أهل الجنة وعند المعتزلة القطع بالعذاب الدايم من غير عفو ولا إخراج من النار ويعبر عن هذا بمسئلة وعيد الفساق وعقوبة العصاة وانقطاع عذاب أهل الكبائر ونحو ذلك وليس في مسئلة الاستحقاق ووجوب العقاب غنى عن ذلك لأن التخليد أمر زايد على التعذيب ولا في مسئلة العفو لأنه بطريق الاحتمال دون القطع ولأنه شاع في ترك العقاب بالكلية وهذا قطع بالخروج بعد الدخول وما وقع في كلام البعض من أن صاحب الكبيرة عند المعتزلة ليس في الجنة ولا في النار فغلط نشأ من قولهم أن له المنزلة بين المنزلتين أي حالة غير الإيمان والكفر وأما ما ذهب إليه مقاتل بن سليمان وبعض المرجئة من أن عصاة المؤمنين لا يعذبون أصلا وإنما النار للكفار تمسكا بالآيات الدالة على اختصاص العذاب بالكفار مثل * (إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى) * * (إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين) * فجوابه تخصيص ذلك بعذاب لا يكون على سبيل الخلود وأما تمسكهم بمثل قوله عليه السلام من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق فضعيف لأنه إنما ينفي الخلود لا الدخول لنا وجوه الأول وهو العمدة الآيات والأحاديث الدلالة على أن المؤمنين يدخلون الجنة البتة وليس ذلك قبل دخول النار وفاقا فتعين أن يكون بعده وهو مسئلة انقطاع العذاب أو بدونه وهو مسئلة العفو التام قال الله تعالى * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * * (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون) * وقال النبي عليه السلام من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وقال من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وإن زنى وإن سرق الثاني النصوص المشعرة بالخروج من النار كقوله تعالى * (النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله) * * (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز) * وكقوله عليه السلام يخرج من النار قوم بعدما امتحشوا وصاروا فحما وحميما فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل وخبر الواحد وإن لم يكن حجة في الأصول لكن يفيد التأييد والتأكيد بتعاضد النصوص الثالث وهو على قاعدة الاعتزال أن من واظب على الإيمان والعمل الصالح مائة سنة وصدر عنه في أثناء ذلك أو بعده جريمة واحدة كشرب جرعة من الخمر فلا يحسن من الحكيم أن يعذبه على ذلك أبد الآباد ولو لم يكن هذا ظلما فلا ظلم أو لم يستحق بهذا ذما فلا ذم الرابع أن المعصية متناهية زمانا وهو ظاهر وقدرا لما يوجد من معصية أشد منها فجزاؤها يجب أن يكون متناهيا تحقيقا لقاعدة العدل بخلاف الكفر فإنه لا يتناهى قدرا وإن تناهى زمانه وأما
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»