المعجزات أفعال ظهرت منه عليه السلام على خلاف العادة تربى على ألف وقد فصلت في دلايل النبوة بعضها إرهاصية ظهرت قبل دعوى النبوة وبعضها تصديقية ظهرت بعدها وتنقسم إلى أمور ثابتة في ذاته أو أمور متعلقة لصفاته وأمور خارجة عنهما فالأول كالنور الذي كان ينقلب في آبائه إلى أن ولد وكولادته مختونا مسرورا واضعا إحدى يديه على عينيه والأخرى على سؤته وما كان من خاتم النبوة بين كتفيه وطول قامته عند الطويل ووساطته عند الوسيط ورؤية من خلفه كان يرى من قدامه والثاني كاستجماعه الغاية القصوى من الصدق والأمانة والعفاف والشجاعة والفصاحة والسماحة والزهد والتواضع لأهل المسكنة والشفقة على الأمة والمصابرة على متاعب النبوة والمواظبة على مكارم الأخلاق وكبلوغه النهاية في العلوم والمعارف الإلهية وتمهيد المصالح الدينية والدنيوية وككونه مستجاب الدعوة على ما دعى لابن عباس رضي الله تعالى عنه بقوله اللهم فقهه في الدين فصار إمام المفسرين ودعا على عتبة بن أبي لهب بقوله اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فافترسه الأسد وعلى مضر بقوله اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعل عليهم سنين كسني يوسف فمنع الله القطر عنهم سنين وعلى من لحقه من الكفار حين خرج من الغار بقوله يا أرض خذيه فساخت قوايم فرسه والثالث كخرور الأوثان سجدا ليلة ولادته وسقوط شرف قصور الأكاسرة وباء ظلال السحاب عليه وكانشقاق القمر وانقلاع الشجر وتسليم الحجر ونبوع الماء من بين أصابعه إلى أن رويت الجنود ودوابهم وشبع الخلق الكثير من طعامه اليسير وحنين الجذع في مسجد المدينة حين انتقل منه إلى المنبر وشكاية النوق عن أصحابها وشهادة الشاة المشوية يوم خيبر بأنها مسمومة ودرور الضرع من الشاة اليابسة الجرباء لأم معبد حين مسح يده عليها وخطاب الذئب وهب بن أوس بقوله أتعجب من أخذى شاة وهذا محمد يدعو إلى الحق فلا تجيبونه وتسبيح الحصى وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى قوله وقد يستدل ما سبق هو العمدة في إثبات النبوة وإلزام الحجة على المجادل والمعاند وقد يذكر وجوه أخر تقوية له وتتميما وإرشاد الطالب الحق وتعليما الأول أنه قد اجتمع فيه من الأخلاق الحميدة والأوصاف الشريفة والسير المرضية والكمالات العلمية والعملية والمحاسن البديعة الراجعة إلى النفس والبدن والنسب والوطن ما يجزم العقل بأنه لا يجتمع إلا لنبي وتفاصيل ذلك تصنيف على حدة الثاني أن من نظر فيما اشتملت عليه شريعته مما يتعلق بالاعتقادات والعبادات والمعاملات والسياسات والآداب وعلم ما فيها من دقايق الحكمة علم قطعها أنها ليست إلا وضعا إلهيا ووحيا سماويا والمبعوث بها ليس إلا نبيا الثالث أنه انتصب مع ضعفه وفقره وقلة أعوانه وأنصاره حربا لأهل الأرض آحادهم وأوساطهم وأكاسرتهم وجبابرتهم فضلل آرائهم وسفه أحلامهم وأبطل مللهم وهدم دولهم
(١٨٨)