شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٧٧
محض كظهور النور في جبين عبد الله أو ابتلاء كما إذا ظهرت على يد من ادعى الألوهية فإن الأدلة القطعية قائمة على كذبه بخلاف مدعي النبوة فلهذا جوزوا إظهارها على يد المتأله دون المتنبي وعن الثالث أن المتأخر إن كان بزمان يسير يعد مثله في العرف مقارنا فلا إشكال وإن كان بزمان متطاول فالمعجزة عند من شرط المقارنة هو ذلك القول المقارن فإنه إخبار بالغيب لكن العلم بإعجازه متراخ إلى وقت وقوع ذلك الأمر ومن جعل المعجزة نفس ذلك الأمر فهو لا يشترط المقارنة وعلى التقديرين لا يصح من ذلك النبي تكليف الناس بالتزام الشرع ناجزا لانتفاء المعجزة أو العلم بها لكن لو بين الأحكام وعلق التزامها بوقوع ذلك الأمر صح عند الإمام ولم يصح عند القاضي ثم المراد بعدم المعارضة أن لا يظهر مثله ممن ليس بنبي وأما من نبي آخر فلا امتناع وزاد بعضهم في تفسير المعجزة قيدا آخر وهو أن يكون في زمان التكليف لأن ما يقع في الآخرة من الخوارق ليست بمعجزة ولأن ما يظهر عند ظهور أشراط الساعة وانتهاء التكاليف لا يشهد بصدق الدعوى لكونه زمان نقض العادات وتغير الرسول قال وإما إمكانها فضروري قدح بعض المنكرين للنبوة في المعجزات بأن تجويز خوارق العادات سفسطة إذ لو جازت لجاز أن ينقلب الجبل ذهبا والبحر دهنا والمدعي للنبوة شخصا آخر عليه ظهرت المعجزة إلى غير ذلك من المحالات وبعضهم بأنها على تقدير ثبوتها لا تثبت على الغائبين لأن أقوى طرق نقلها التواتر وهو لا يفيد اليقين لأن جواز الكذب على كل أحد يوجب جوازه على الكل لكونه نفس الآحاد ولأنه لو أفاده لإفادة خبر الواحد لأن كل طبقة يفرض عدد التواتر فعند نقصان واحد منه إن بقيت مفيدة لليقين وهكذا إلى الواحد فظاهر وإن لم تبق كان المفيد هو ذلك الواحد الزائد ولأنه غير مضبوط بعدد بل ضابطة حصول اليقين فإثبات اليقين به يكون دورا والجواب عن الأول أن المراد بخوارق العادات أمور ممكنة في نفسها ممتنعة في العادة بمعنى أنها لم يجز العادة بوقوعها كانقلاب العصا حية فإمكانها ضروري وإبداعها ليس أبعد من أبداء خلق الأرض والسماء وما بينهما والجزم بعدم وقوع بعضها كانقلاب الجبل والبحر وهذا الشخص وأمثال ذلك لا ينافي الإمكان الذاتي على ما سبق في صدر الكتاب وعن الثاني بأن المتواترات أحد أقسام الضروريات فالقدح فيها بما ذكر مع أنه ظاهر الاندفاع لا يستحق الجواب وأما وجه دلالتها أي وجه دلالة المعجزة على صدق الرسالة أنها عند التحقيق بمنزلة صريح التصديق لما جرت العادة به
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»