شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٨٣
لا يجب وقد وجد ما هو مبني عليها ومتعلق بها وكيف يجوز أن يكون المبدأ الأول والملائكة بعده يعلمون ذلك ولا يعلمون هذا ففي الجملة قالوا بوجوب البعثة ولزوم النبوة فمن قال هي واجبة في الحكمة أراد تبقية النظام على الوجه اللايق ومن قال في العناية أراد تمثل النظام في علمه الشامل ومن قال في الطبيعة أراد وجود النظام الكامل ولقد أفصح عن المقصود بعض الإفصاح من قال أن المدبر الذي يسوق النوع من النقصان إلى الكمال لا بد أن يبعث الأنبياء ويمهد الشرايع كما هو موجود في العالم ليحصل النظام ويتعيش الأشخاص ويمكن لهم الوصول من النقصان إلى الكمال الذي خلقوا لأجله قال المبحث الرابع محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ولم يخالف في ذلك من أهل الملل والأديان إلا البعض من اليهود والنصارى وحجتنا أنه عليه السلام ادعى النبوة وأظهر المعجزة وكل من كان كذلك فهو نبي لما بينا اما دعوى النبوة فبالتواتر والاتفاق حتى جرت مجرى الشمس في الوضوح والإشراق وأما إظهار المعجزة فلأنه أتى بالقرآن وأخبر عن المغيبات وأظهر أفعالا على خلاف المعتاد وبلغت جملتها حد التواتر وإن كانت تفاصيلها من الآحاد فلنتكلم في الأنواع الثلاثة أما النوع الأول ففيه ثلاث مقامات لبيان إعجاز القرآن ووجه الإعجاز ودفع شبه الطاعنين أما المقام الأول فهو أنه صلى الله عليه وسلم تحدى بالقرآن ودعا إلى الإتيان بسورة مثله مصاقع البلغاء والفصحاء من العرب العرباء مع كثرتهم كثرة رمال الدهناء وحصى البطحاء وشهرتهم بغاية العصبية والحمية الجاهلية وتهالكهم على المباهاة والمباراة والدفاع عن الأحساب وركوب الشطط في هذا الباب فعجزوا حتى آثروا المقارعة على المعارضة وبذلوا المهج والأرواح دون المدافعة فلو قدروا على المعارضة لعارضوا ولو عارضوا لنقل إلينا لتوفر الدواعي وعدم الصارف والعلم بجميع ذلك قطعي كسائر العاديات لا يقدح فيه احتمال أنهم تركوا المعارضة مع القدرة عليها أو عارضوا ولم ينقل إلينا لمانع كعدم المبالاة وقلة الالتفات والاشتغال بالمهمات وأما المقام الثاني فالجمهور على أن إعجاز القرآن لكونه في الطبقة العليا من الفصاحة والدرجة القصوى من البلاغة على ما يعرفه فصحاء العرب بسليقتهم وعلماء الفرق بمهارتهم في فن البيان
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»