شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٩٠
والفارقليط روح الحق واليقين وفي الخامس عشر وأما فارقليط روح القدس الذي يرسله أبي باسمي هو يعلمكم ويمنحكم جميع الأشياء وهو يذكركم ما قلته لكم ثم قال وإني قد أخبرتكم بهذا قبل أن يكون حتى إذا كان ذلك تؤمنوا به وقوله باسمي يعني بالنبوة ومعنى الفارقليط كاشف الخفيات وفي السادس عشر أقول لكم الآن حقا ويقينا أن انطلاقي عنكم خير لكم فإن لم أنطلق عنكم إلى أبي لم يأتكم الفارقليط وإن انطلقت أرسلت به إليكم فإذا جاء هو يفيد أهل العالم ويدينهم ويوبخهم ويوقفهم على الخطيئة والبر ثم قال إذا جاء روح الحق واليقين يرشدكم ويعلمكم ويدبركم ويذكركم لجميع الحق لأنه ليس يتكلم بدعة من تلقاء نفسه وأما في الزبور فقوله تقلد أيها الجبار السيف فإن ناموسك وشرايعك مقرونة بهيبة يمينك وسهامك مسنونة والأمم يخرون تحتك وقوله قال داود اللهم ابعث جاعل السنة حتى يعلم الناس أنه بشر يعني ابعث محمدا حتى يعلم الناس أن عيسى بشر قال في تلخيص المحصل وأمثال هذا كثير في كتب الأنبياء المتقدمين يذكرها المصنفون الواقفون على كتبهم ولا يقدر المخالف على دفعها أو صرفها إلى ملك أو نبي آخر ولا على أن يكتمها ولقد جمع أبو الحسين البصري في كتاب غرر الأدلة ما يوقف من نصوص التوراة على صحة نبوة محمد عليه السلام وأما المنكرون أنكر المشركون والنصارى والمجوس ومن يجري مجراهم نبوة محمد عليه السلام بغيا منهم وحسدا وعنادا ولددا من غير تمسك بشبهة وأكثر اليهود تمسكوا بأنه لو كان نبيا لزم نسخ دين موسى واللازم باطل أما أولا فلبطلان النسخ مطلقا لوجهين أحدهما أنه إن لم يكن لمصلحة فعبث وإن كان لمصلحة لم يعلمها عند شرعية الحكم المنسوخ فجهل وإن كان لمصلحة علمها وأهملها أو لا ثم راعاها فبداء أو نقول إن كان في شرعية الحكم المنسوخ مصلحة لم يعلم إهمالها عند النسخ فجهل وإن كان يعلمها فرأى رعايتها أو لا ثم أهملها فبداء والجواب أنه لمصلحة تجددت وحصلت بعدما لم تكن فإن المصالح تختلف باختلاف الأزمان والأحوال فرب دواء يصلح في الصيف دون الشتاء ولزيد دون عمرو ولهذا ورد في التوراة أن آدم أمر بتزويج بناته من بنيه ثم نسخ وفاقا وثانيهما أن الحكم إما مؤقت مثل صم غدا فنفيه بعد ذلك لا يكون نسخا وإما مؤبد مثل صم أبدا فنسخه تناقض بمنزلة قولك الصوم واجب أبدا وليس بواجب وإما مرسل لا توقيت فيه ولا تأبيد وحينئذ فإما أن يعلم الله تعالى استمراره أبدا فلا يرتفع للزوم الجهل أو إلى غاية ما فلا رفع بعدها ولا نسخ والجواب أنه مرسل عن توقيت الوجوب مثلا وتأبيده والمعلوم عند الله استمرار الوجوب إلى غاية هي وقت نسخه ورفعه ولا تناقض في ذلك سواء كان الواجب مؤقتا أو مؤبدا بمنزلة قولك صوم الغد أو الأبد واجب حينا دون حين وإنما التناقض في رفع الوجوب بعد تأبيده كما إذا قيل الوجوب ثابت أبدا ثم نسخ فيكون زمان لا وجوب فيه
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»