وظهر دينه على الأديان وزاد على مر الأعصار والأزمان وانتشر في الآفاق والأقطار وشاع في المشارق والمغارب من غير أن تقدر الأعداء مع كثرة عددهم وعددهم وشدة شوكتهم وشكيمتهم وفرط حميتهم وعصبيتهم وبذلهم غاية الوسع في إطفاء أنواره وطمس آثاره على إخماد شرارة من ناره فهل يكون ذلك إلا بعون إلهي وتأييد سماوي الرابع أنه ظهر أحوج ما كان الناس إلا من يهدي إلى الطريق المستقيم ويدعو إلى الدين القويم وينظم الأمور ويضبط حال الجمهور لكونه زمان فترة من الرسل وتفرق للسبل وانحراف في الملل واختلال للدول واشتعال للضلال واشتغال بالمحال فالعرب على عبادة الأوثان وؤد البنات والفرس على تعظيم النيران ووطئ الأمهات والترك على تخريب البلاد وتعذيب العباد والهند على عبادة البقر وسجود الحجر والشجر واليهود على الجحود والنصارى حيارى فيمن ليس بوالد ولا مولود وهكذا سائر الفرق في أودية الضلال وأخبية الخيال والخبال أفيليق بحكمة الملك الحق المبين أن لا يرسل رحمة للعالمين ولا يبعث من يجدد أمر الدين وهل ظهر أحد يصلح لهذا الشأن ويؤسس هذا البنيان غير محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مر بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات الخامس النصوص الواردة في كتب الأنبياء المتقدمين المنقولة إلى العربي المشهورة فيما بين أممهم أما في التوراة فمنها ما جاء في السفر الخامس جاء الله من طور سيناء وأشرق من سيعير واستعلن من جبال فاران يريد الإخبار عن إنزال التوراة على موسى بطور سيناء والإنجيل على عيسى بسيعير فإنه كان يسكن من سيعير بقرية تسمى ناصرة وإنزال القرآن على محمد بمكة فإن فاران في طريق مكة قبل العدن بميلين ونصف وهو كان المنزل وقد بقي اليوم على يسار الطريق من العراق إلى مكة وهذا ما ذكر في التوراة أن إسماعيل أقام برية فاران يعني بادية العرب ومنها ما جاء في السفر الخامس أنه تعالى قال لموسى صلى الله تعالى عليه وسلم إني مقيم لهم نبيا من بني إخوتهم مثلك وأجري قولي في فيه ويقول لهم ما آمرهم به والرجل الذي لا يقبل قول النبي الذي يتكلم باسمي فأنا أنتقم منه والمراد ببني إخوة بني إسرائيل بنو إسماعيل على ما هو المتعارف فلا يصرف إلى من بعد موسى من أنبياء بني إسرائيل ولا إلى عيسى لأنهم لم يكونوا من بني إخوتهم ولا إلى موسى لكونه صاحب شريعة مستأنفة فيها بيان مصالح الدارين فتعين محمد صلى الله عليه وسلم ومنها ما جاء في السفر الأول أنه تعالى قال لإبراهيم عليه السلام أن هاجر تلد ويكون من ولدها من يده فوق الجميع ويد الجميع مبسوطة إليه بالخشوع وأما في الإنجيل فمنها ما ورد في الصحاح الرابع عشر أنا أطلب لكم إلى أبي حتى يمنحكم ويعطيكم فارقليطا ليكون معكم إلى الأبد
(١٨٩)