شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٩٣
الأقصى فقط أو إلى السماء والحق أنه في اليقظة بالجسد إلى المسجد الأقصى بشهادة الكتاب وإجماع القرن الثاني ومن بعدهم ثم إلى السماء بالأحاديث المشهورة والمنكر مبتدع ثم إلى الجنة أو العرش أو طرف العالم على اختلاف الآراء بخبر الواحد وقد اشتهر أنه نعت لقريش المسجد الأقصى على ما هو عليه وأخبرهم بحال غيرهم وكان على ما أخبر وبما رأى في السماء من العجائب وبما شاهد من أحوال الأنبياء على ما هو مذكور في كتب الأحاديث لنا أنه امر ممكن أخبر به الصادق ودليل الإمكان إما تماثل الأجسام فيجوز الخرق على السماء كالأرض وعروج الإنسان كغيره وإما عدم دليل الامتناع وأنه لا يلزم من فرض وقوعه محال وأيضا لو كان دعوى النبي صلى الله عليه وسلم المعراج في المنام أو بالروح لما أنكره الكفرة غاية الإنكار ولم يرتد بعض من اسلم ترددا منه في صدق النبي عليه السلام تمسك المخالف بما روي عن عايشة رضي الله عنها أنها قالت والله ما فقدت جسد محمد رسول الله وعن معاوية أنها كانت رؤيا صالحة وأنت خبير بأنه على تقدير صحة روايته لا يصلح حجة في مقابلة ما ورد من الأحاديث وأقوال كبار الصحابة وإجماع القرون اللاحقة المبحث السادس في عصمة الأنبياء وقد سبق أن المعجزة تقتضي الصدق في دعوى النبوة وما يتعلق بها من التبليغ وشرعية الأحكام فما يتوهم صدوره عن الأنبياء من القبايح إما أن يكون منافيا لما يقتضيه المعجزة كالكذب فيما يتعلق بالتبليغ أولا والثاني إما أن يكون كفرا أو معصية غيره وهي إما أن تكون كبيرة كالقتل والزنا أو صغيرة منفرة كسرقة لقمة والتطفيف بحبة أو غير منفرة ككذبة وهم بمعصية كل ذلك إما عمدا أو سهوا وبعد البعثة أو قبلها والجمهور على وجوب عصمتهم عما ينافي مقتضى المعجزة وقد جوزه القاضي سهوا زعما منه أنه لا يدخل في التصديق المقصود بالمعجزة وعن الكفر وقد جوزه الأزارقة من الخوارج بناء على تجويزهم الذنب مع قولهم بأن كل ذنب كفر وجوز الشيعة إظهاره تقية واحترازا عن إلقاء النفس في التهلكة ورد بأن أولى الأوقات بالتقية إبداع الدعوة لضعف الداعي وشوكة المخالف وكذا عن تعمد الكبائر بعد البعثة فعندنا سمعا وعند المعتزلة عقلا وجوزه الحشوية إما لعدم دليل الامتناع وإما لما سيجيء من شبه الوقوع وكذا عن الصغائر المنفرة لإخلالها بالدعوة إلى الاتباع ولهذا ذهب كثير من المعتزلة إلى نفي الكبائر قبل البعثة أيضا وبعض الشيعة إلى نفي الصغاير ولو سهوا والمذهب عندنا منع الكبائر بعد البعثة مطلقا والصغاير عمدا لا سهوا لكن لا يصرون ولا يقرون بل ينبهون فيتنبهون وذهب إمام الحرمين منا وأبو هاشم من المعتزلة إلى تجويز الصغاير عمدا لنا أنه لو صدر عنهم الذنب لزم أمور كلها منتفية الأول حرمة اتباعهم لكنه واجب بالإجماع وبقوله تعالى * (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) * الثاني رد شهادتهم لقوله تعالى * (إن جاءكم فاسق) * الآية والإجماع على ذلك لكنه منتف للقطع بأن من يرد شهادته في القليل من متاع الدنيا لا يستحق القبول
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»