شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٩١
وهذا لا نزاع في امتناعه وهو المراد بقولهم أن النسخ ينافي التأبيد وعليه يبتني امتناع نسخ شريعتنا والفرق بين كون التأبيد راجعا إلى الواجب أو إلى الوجوب مما يتضح بالرجوع إلى الأصل الذي مهدناه في بحث الرؤية في قوله تعالى * (لا تدركه الأبصار) * على أن التحقيق أن لا رفع ههنا وإنما النسخ بيان لانتهاء حكم شرعي سبق على الإطلاق وأما ثانيا فلبطلان نسخ شريعة موسى عليه السلام لوجهين الأول أنه تواتر النص منه على تأبيدها مثل تمسكوا بالسبت أبدا وهذه شريعة مؤبدة ما دامت السماوات والأرض والجواب أنه افتراء على موسى عليه السلام ودعوى تواتره مكابرة ولو صح لما ظهرت المعجزات على عيسى أو محمد عليهما السلام ولأظهروه في زمانهما احتجاجا عليهما ولو أظهروه لاشتهر لتوفر الدواعي على أنه كثير إما يعبر بالتأبيد فالدوام عن طول الزمان وثانيهما أنه إما أن يكون صرح بدوام شريعته فيدوم أو بانقطاعها فيلزم تواتره لكونه من الأمور العظام التي تتوفر الدواعي على نقلها ولم تتواتر أو سكت عن الدوام والانقطاع فيلزم أن لا يتكرر ولا يتقرر إلى أوان النسخ وقد تقرر والجواب أنه صرح بانقطاعها بالناسخ ولم يتواتر لعدم توفر الدواعي ولقلة الناقلين في بعض الطبقات إذ لم يبق من اليهود في زمان بخت نصر إلا أقل من القليل أو سكت وقد تقرر وتكرر بناء على تكرر الأسباب والمحال أو على أن الأصل في الثابت هو البقاء حتى يظهر دليل العدم قال المبحث الخامس يريد أنه مبعوث إلى الثقلين لا إلى العرب خاصة على ما زعم بعض اليهود والنصارى زعما منهم أن الاحتياج إلى النبي إنما كان للعرب خاصة دون أهل الكتابين ورد بما مر من احتياج الكل إلى من يجدد أمر الشريعة بل احتياج اليهود والنصارى أكثر لاختلال دينهم بالتحريفات وأنواع الضلالات مع ادعائهم أنه من عند الله تعالى والدليل على عموم بعثته وكونه خاتم النبيين لا نبي بعده ولا نسخ لشريعته هو أنه ادعى ذلك بحيث لا يحتمل التأويل وأظهر المعجزة على وفقه وأن كتابه المعجز قد شهد بذلك قطعا كقوله تعالى * (وما أرسلناك إلا كافة للناس) * * (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) * * (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن) * الآيات * (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) * * (ليظهره على الدين كله) * لا يقال ففي القرآن ما يدل على أن التوراة والإنجيل هدى للناس من غير تفرقة بين ما يوافق القرآن ويخالفه فيختص هداية القرآن وبعثة محمد عليه السلام بقومه الذين هم العرب على ما يشير إليه بقوله * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) * لأنا نقول هما هدى للناس قبل نزول القرآن أو هدى لهم إلى الإيمان بمحمد عليه السلام والاتباع لشريعته لما فيهما من البشارة ببعثته والإنباء عن الاهتداء بمتابعته فإن قيل أليس عيسى عليه السلام حيا بعد نبينا رفع إلى
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»