ومرجعه أيضا إلى الله تعالى فالمسعر هو الله وحده خلافا للمعتزلة زعما منهم أنه قد يكون من أفعال العباد توليدا كما مر ومباشرة كالمواضعة على تقدير الأثمان قال المبحث السادس لما لم نقل بوجوب شيء على الله كفينا مؤنة كثير من تطويلات المعتزلة القائلين بوجوب أشياء على الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا وقد أكثروا الكلام في تفاصيلها ولنعد منها عدة الأول اللطف وهو فعل يقرب العبد إلى الطاعة ويبعده عن المعصية لا إلى حد الإلجاء ويسمى اللطف المقرب أو يحصل الطاعة فيه ويسمى المحصل وذلك كالأرزاق والآجال والقوى والآلات وإكمال العقل ونصب الأدلة وما يشبه ذلك وفسروا الوجوب عليه بأنه لا بد أن يفعله لقيام الداعي وانتفاء الصارف وتارة بأن لتركه مدخلا في استحقاق الذم وقد عرفت ما فيه واستدلوا على الوجوب بوجوه الأول أنه مريد للطاعة فلو جاز منع ما يحصل أو يقرب منها لكان غير مريد لها وهو تناقض ورد بمنع الملازمة ومنع أن كل مأمور به مراد الثاني أن منع اللطف نقض لغرضه الذي هو الإتيان بالمأمور به ونقض الغرض قبيح يجب تركه ورد بمنع المقدمتين لجواز أن لا يكون نقض المأمور به مرادا أو غرضا ويتعلق بنقضه حكم ومصالح الثالث أن منع اللطف تحصيل للمعصية أو تقريب منها وكلاهما قبيح يجب تركه ورد بالمنع فإن عدم تحصيل الطاعة أعم من تحصيل المعصية وكذا التقريب ولانم أن إيجاد القبيح قبيح وقد مر الرابع أن الواجب لا يتم إلا بما يحصله أو يقرب منه فيكون واجبا ورد بعد تسليم القاعدة بأن ذلك وجوب على المكلف بشرط كونه مقدورا له فلا يكون مما نحن فيه ثم عورضت الوجوه بوجوه الأول أنه لو وجب اللطف لما بقي كافر ولا فاسق لأن من الألطاف ما هو محصل ومن قواعدهم أن أقصى اللطف واجب فلا يندفع ما ذكرنا بما قيل أن الكافر أو الفاسق لا يخلو عن لطف فلذا أجيب بأن اللطف يتفاوت بالنسبة إلى المكلفين وليس كل ما هو لطف في إيمان زيد لطف في إيمان عمرو فليس في معلوم الله تعالى ما هو لطف في حق الكل حتى يحصل إيمانهم ورد بالنصوص الدالة على أن انتفاء إيمان الكل مبني على انتفاء مشيئة الله وذلك كقوله تعالى * (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) * * (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا) * * (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) * * (فلو شاء لهداكم أجمعين) * إلى غير ذلك مما لا يحصى سيما في أواخر سورة الأنعام وحملها على مشيئة القسر والإلجاء اجتراء والنقل عن أئمة التفسير افتراء والتمسك بقوله تعالى * (كذلك كذب الذين من قبلهم) * مراء لأنه لا يدل على أن تعليق الأمور بمشيئة الله كذب بل على أن قول الكفرة لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا عناد منهم وتكذيب لله وتسوية بين مشيئته ورضاه وأمره على ما قالوا حين فعلوا فاحشة وجدنا عليه آباؤنا والله أمرنا بها الثاني أنه لو وجب لما أخبر الله بسعادة البعض وشقاوة البعض بحيث لا يطيع البتة لأن ذلك إقناط وإغراء على المعصية وهو قبيح ولو في حق من علم الله
(١٦٣)