شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٥٢
في استحقاق الذم وبالقبيح خلافه وأما اعتراضهم بأنه لما ثبت المدح والذم واستحقاق الثواب والعقاب في الشاهد فكذا في الغائب قياسا فلا يخفى ضعفه كيف وغير المتشرع ربما لا يقول بدار الآخرة والثواب والعقاب الثاني من استوى في تحصيل غرضه الصدق والكذب بحيث لا مرجح أصلا ولا علم باستقرار الشرائع على تحسين الصدق وتقبيح الكذب فإنه يؤثر الصدق قطعا وما ذاك إلا لأن حسنه ذاتي ضروري عقلي وكذلك إنقاذ من أشرف على الهلاك حيث لا يتصور للمنقذ نفع وغرض ولو مدحا وثناء والجواب أن إيثار الصدق لما تقرر في النفوس من كونه الملائم لغرض العامة ومصلحة العالم والاستواء المفروض إنما هو في تحصيل غرض ذلك الشخص واندفاع حاجته لا على الإطلاق كيف والصدق ممدوح والكذب مذموم عند العقلاء وعلى مذهبكم عند الله أيضا بحكم العقل ولو فرضنا الاستواء من كل وجه فلا نسلم إيثار الصدق قطعا وإنما القطع بذلك عند الفرض والتقدير فيتوهم أنه قطع عند وقوع المقدر المفروض وقد أوضحنا الفرق في فوائد شرح الأصول وأما إنقاذ الهالك فلرقة الجنسية المجبولة في الطبيعة وكأنه يتصور مثل تلك الحالة لنفسه فيجره استحسان ذلك الفعل من غيره في حق نفسه إلى استحسانه من نفسه في حق غيره وبالجملة لا نسلم أن إيثار الصدق والإنقاذ عند من لم يعلم استقرار الشرائع على حسنهما إنما هو لحسنهما عند الله على ما هو المتنازع بل لأمر آخر الثالث لو لم يثبت الحسن والقبح إلا بالشرع لم يثبتا أصلا لأن العلم بحسن ما أمر به الشارع أو أخبر عن حسنه وبكذب ما نهى عنه أو أخبر عن قبحه يتوقف على أن الكذب قبيح لا يصدر عنه وأن الأمر بالقبيح والنهي عن الحسن سفه وعبث لا يليق به وذلك إما بالعقل والتقدير أنه معزول لا حكم له وإما بالشرع فيدور والجواب إنا لا نجعل الأمر والنهي دليل الحسن والقبح ليرد ما ذكرتم بل نجعل الحسن عبارة عن كون الفعل متعلق الأمر والمدح والقبح عن كونه متعلق النهي والذم قال إمام الحرمين ومما يجب التنبيه له أن قولنا لا يدرك الحسن والقبح إلا بالشرع نجوز حيث يوهم كون الحسن زائدا على الشرع موقوفا إدراكه عليه وليس الأمر كذلك بل الحسن عبارة عن نفس ورود الشرع بالثناء على فاعله وكذا في القبح فإذا وصفنا فعلا بالوجوب فلسنا نقدر للفعل الواجب صفة بها يتميز عما ليس بواجب وإنما المراد بالواجب الفعل الذي ورد الشرع بالأمر به إيجابا وكذا الحظر هذا وقد بينا في بحث الكلام امتناع الكذب على الشارع من غير لزوم دور الرابع لو لم يقبح من الله تعالى شيء لجاز إظهار المعجزة على يد الكاذب وفيه انسداد باب إثبات النبوة والجواب أن الإمكان العقلي لا ينافي الجزم بعدم الوقوع أصلا كسائر العاديات الخامس إنا قاطعون بأنه يقبح عند الله تعالى من العارف بذاته وصفاته أن يشرك به وينسب إليه الزوجة والولد ومالا يليق به من صفات
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»