نظرهم في المعارف الإلهية واللطايف الخفية الربانية ووفور غلطهم في صفات الواجب الحق وأفعال الغنى المطلق قالوا نحن نقطع بأن الحكيم إذا أمر بطاعته وقدر على أن يعطى المأمور ما يصل به إلى الطاعة من غير تضرر بذلك ثم لم يفعل كان مذموما عند العقلاء معدودا في زمرة البخلاء ولذلك من دعا عدوه إلى الموالاة والرجوع إلى الطاعة لا يجوز أن يعامله من الغلظ واللين إلا بما هو أنجع في حصول المراد وادعى إلى ترك العناد وأيضا من اتخذ ضيافة لرجل واستدعى حضوره وعلم أنه لو تلقاه ببشر وطلاقة وجه دخل وأكل وإلا فلا فالواجب عليه البشر والطلاقة والملاطفة لا أضدادها قلنا ذاك بعد تسليم استلزام الأمر الإرادة إنما هو في حكيم محتاج إلى طاعة الأولياء أو رجوع الأعداء ويتعزز بكثرة ا لأعوان والأنصار ويعظم لديه الأقدار ويكون للشيء بالنسبة إليه مقدار وقد يتمسك بأن عند وجود الداعي والقدرة وانتفاء الصارف يجب الفعل ورد بأن ذلك بعد التسليم وجوب عنه بمعنى اللزوم عند تمام العلة والكلام في الوجوب عليه بمعنى استحقاق الذم على الترك فأين هذا من ذاك لنا بعد التنزل إلى القول لوجوب شيء على الله وأن ليس الصلاح والفساد بخلق الله تعالى وجوه الأول لو وجب عليه الأصلح لعباده لما خلق الكافر الفقير المعذب في الدنيا والآخرة سيما المبتلى بالأسقام والآلام والمحن والآفات الثاني يلزم على ما ذكرتم من الأمثلة أن يجب على كل أحد ما هو أصلح لعبيده ولنفسه فإن دفع بأن المكلف يتضرر بذلك ويلحقه الكد والتعب أجيب بأنه يلزم حينئذ أن لا يجب عليه شيء مما هو كذلك فإن قيل يترتب عليه ثواب يربى عليه فيحسن لذلك قلنا فليكن الأصلح كذلك الثالث يلزم أن يكون الأصلح للكفار الخلود في النار إذ لو كان الخروج أو عدم الدخول أصلح لفعل فإن قيل نعم يلزم أن الأصلح لهم الخلود لعلمه بأنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه قلنا لا خفاء في أن الإماتة أو قطع العذاب ثم سلب العقول الصلح وأيضا فإذا كان تكليف من علم أنه يكفر أصلح مع أنه تنجيز مشقة فلم لا يكون إنقاذا من علم أنه يعود أصلح مع أنه تنجيز راحة الرابع يلزم أن لا يستوجب الله على فعل شكرا لكونه مؤديا للواجب كمن يرد وديعة ودينا لازما الخامس مقدورات الله تعالى غير متناهية فأي قدر يضبطونه في الأصلح فالمزيد عليه ممكن فيجب لا إلى حد فإن قيل ربما يصير ضم المزيد إليه مفسدة كما أن ضم النافع إلى النافع تصير مضرة فيما إذا زاد من الدواء على القدر الذي فيه الشفاء أجيب بأنه لا يعقل أن يكون ضم الصلاح إلى الصلاح فسادا وتقدر قدر من الدواء للشفاء إنما هو بطريق جري العادة من الله تعالى فإنه النافع والضار لا الدواء حتى لو غير العادة وجعل الشفاء في القدر الزايد جاز ولو سلم فالنفع مقدور والزيادة في الدواء ليس من ضم النفع إلى النفع بل من ضم ما ليس ينفع مثلا النافع في الحمى قدر من المبرد يقاوم الحرارة الغالبة فإذا زيد عليه قدر فليس
(١٦٧)