شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٦٠
والعصمة هي التوفيق بعينه فإن عممت كانت توفيقا عاما وإن خصصت كانت توفيقا خاصا كذا ذكره إمام الحرمين وقال ثم الموفق لا يعصى إذ لا قدرة له على المعصية وبالعكس ومبناه على أن القدرة مع الفعل وليست نسبته إلى الطرفين على السواء ومن أصحابنا من قال العصمة أن لا يخلق الله تعالى في العبد الذنب وقالت الفلاسفة هي ملكة تمنع الفجور مع القدرة عليه وقيل خاصية في نفس الشخص أو بدنه يمتنع بسببه صدور الذنب عنه ورد بأنه ح لا يستحق المدح بترك الذنب ولا الثواب عليه ولا التكليف به وفي كلام المعتزلة أن اللطف ما يختار المكلف عنده الطاعة تركا أو إتيانا أو يقرب منهما مع تمكنه في الحالين فإن كان مقربا من الواجب أو ترك القبيح يسمى لطفا مقربا وإن كان محصلا له فلطفا محصلا ويخص المحصل للواجب باسم التوفيق والمحصل لترك القبيح باسم العصمة ومنهم من قال التوفيق خلق لطف يعلم الله تعالى أن العبد يطيع عنده والخذلان منع اللطف والعصمة لطف لا يكون معه داع إلى ترك الطاعة ولا إلى ارتكاب المعصية مع القدرة عليهما واللطف هو الفعل الذي يعلم الله تعالى أن العبد يطيع عنده (قال المبحث الثالث الأجل) في اللغة الوقت وأجل الشيء يقال لجميع مدته ولآخرها كما يقال أجل هذا الدين شهران وآخر الشهر وفسر قوله تعالى * (ثم قضى أجلا) * وأجل مسمى عنده بعضهم بأجل الموت وأجل القيمة وبعضهم بما بين أن يخلق إلى الموت وما بين الموت والبعث ثم شاع استعماله في آخر مدة الحياة فلذا يفسر بالوقت الذي علم الله تعالى بطلان حياة الحيوان فيه ثم من قواعد الباب أن المقتول ميت بأجله أي موته كائن في الوقت الذي علم الله تعالى في الأزل وقدر حاصل بإيجاد الله تعالى من غير صنع للعبد مباشرة ولا توليدا وأنه لو لم يقتل لجاز أن يموت في ذلك الوقت وأن لا يموت من غير قطع بامتداد العمر ولا بالموت بدل القتل وخالف في ذلك طوائف من المعتزلة فزعم الكعبي أنه ليس بميت لأن القتل فعل العبد والموت لا يكون إلا فعل الله تعالى أي مفعوله وأثر صنعه ورد بأن القتل قائم بالقاتل حال فيه لا في المقتول وإنما فيه الموت وانزهاق الروح الذي هو إيجاد الله تعالى عقيب القتل بطريق جري العادة وكأنه يريد بالقتل المقتولية وبجعلها نفس بطلان الحياة ويخص الموت بما لا يكون على وجه القتل على ما يشعر به قوله تعالى * (أفإن مات أو قتل) * الآية لكن لا خفاء في أن المعنى مات حتف أنفه وأن مجرد بطلان الحياة موت ولهذا قيل أن في المقتول معنيين قتلا هو من فعل القاتل وموتا هو من فعل الله تعالى وزعم كثير منهم أن القائل قد قطع عليه الأجل وأنه لو لم يقتل لعاش إلى أمد هو أجله الذي علم الله تعالى موته فيه لولا القتل وزعم أبو الهذيل أنه لو لم يقتل لمات البتة في ذلك الوقت لنا الآيات والأحاديث الدالة على أن كل هالك مستوف أجله من غير تقدم ولا تأخر ثم على تقدير عدم القتل لا قطع بوجود الأجل وعدمه فلا قطع بالموت ولا الحياة فإن عورض بقوله تعالى * (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب) * وقوله عليه السلام لا يزيد
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»