شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٦٥
وعدم المنع بعلم أو نهي إغراء على إيصال تلك المضار فأخذ العوض منها يكون ظلما بمنزلة من ألقى طعاما إلى كلب فأكله ثم أخذ يضربه وللقاضي ما ورد في الحديث من أنه يأخذ للجماء من القرناء وما ثبت في الشرع من وجوب منعها عن تلك المضار وأجيب بأن الحديث خبر واحد في مقابلة القطعي مع أنه لا يدل على كيفية الانتصاف فلعلها تكون بإيفاء العوض من عنده وأما التكليف فإنما هو لحفظ المواشي عن السباع والأموال عن الضياع حتى لا يجب منع الهرة عن أكل الحشرات والعصافير بل قد يحرم لكونه منعا للرزق عنها اللهم إلا إذا تألم قلب العاقل بالافتراس فيجب المنع دفعا لتضرره بتألم قلبه ومنها أن الإيلام بأمر الله كما في استعمال البهائم أو بإباحته كما في ذبحها أو بتمكينه مع تأخير الانتصاف إلى دار الجزاء كما في المظلوم عوضه على الله تعالى لتعاليه عن الظلم ومنها أنه إذا استوى لذة وألم في كونهما لطفا فالجمهور على أنه تتعين اللذة ويقبح الألم لأنه إنما يحسن إذا تعين طريقا للعوض واللطف وقال أبو هاشم بل يتخير بينهما كما بين المنفعتين لأن الإيلام بكونه عوضا ولطفا قد خرج عن كونه عبثا وظلما ومنها أن العوض يستحق دائما عند أبي علي كالثواب إذ لو انقطع لاغتم بانقطاعه فثبت عوض آخر وهلم جرا ومنقطعا عند أبي هاشم إذ لو شرط الدوام لما حسن بدونه واللازم باطل لأن العقلاء قد يستحسنون الآلام لمنافع منقطعة ومنها أنهم اختلفوا في أنه هل يشترط عند إيفاء العوض علم المعوض بأنه حقه كالثواب أم لا بناء على أن العوض منه مجرد اللذة والمنفعة وفي الثواب يعتبر التعظيم به فلا يثبت بدون علمه بذاك ومنها أنه هل يجوز التفضل بقضاء عوض المظلوم عن الظالم بناء على أن حقه في الأعواض المقابلة بالمضار وقد وصلت أم لا بناء على أن حقه في الأعواض الواجبة ولم تصل وأنه لو جاز التفضل لعوضه لجاز ترك الانتصاف من الظالم وهو باطل ومنها أن العوض الواجب على الله لا يصح إسقاطه إذ لا نفع فيه لأحد لكن يصح نقله إلى الغير نفعا له بخلاف الثواب فإن جهة التعظيم لا تقبل ذلك وأما الواجب على العبد فعند القاضي لا يصح كهبة المجهول وقيل يصح لما فيه من نفع الجاني والجهالة لا تمنع صحة الإسقاط كما في الإعتاق والإبراء وكذا يصح نقله إلى الغير بأن يهب عوضه من غيره لكن شبهة الجهالة في ذلك متأكدة ومنها اختلافهم في أن العوض هل يجب أن يكون في الآخرة وهل يحبط بالذنوب اعتبارا بالثواب أم يجوز في الدنيا ولا يحبط أصلا لعدم الدليل على النقيض وفي أنه هل يجوز التفضل بمثل الأعواض ابتداء من غير سبق ألم أم لا وعلى تقدير الجواز هل يجوز الآلام وتحسن المحن لمجرد العوض له هو رأي أبي علي بناء على أن للعوض اللازم المستتحق مزية على المتفضل به من غير لزوم واستحقاق أم لا بد مع ذلك من أن يكون إلطافا للمؤلم في الزجر عن القبيح ولغيره بحسب الاتعاظ والاعتبار كما هو رأي الضميري أم لا بد من كلا الأمرين كما هو رأي أبي هاشم بناء على أنه لما جاز
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»