شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٦٤
أنه لا يجدي عليه اللطف الثالث أنه لو وجب لكان في كل عصر نبي وفي كل بلد معصوم يأمر بالمعروف ويدعو إلى الحق وعلى وجه الأرض خليفة ينصف للمظلوم وينتصف من الظالم إلى غير ذلك من الألطاف قال الثاني العوض وهو نفع حال عن التعظيم يستحق في مقابلة ما يفعل الله تعالى بالعبد من الأسقام والآلام وما يجري مجرى ذلك فيخرج الأجر والثواب لكونهما للتعظيم في مقابلة فعل العبد وكذا النفع المتفضل به لكونه غير مستحق ووجه وجوبه على الإطلاق أن تركه قبيح لكونه ظلما فيجب فعله قالوا ويستحق على الله تعالى بإنزاله الآلام على العبد وبتفويته المنافع عليه لمصلحة الغير عليه كالزكاة وبإنزاله الغموم التي لا تستند إلى فعل العبد كالغم المستند إلى علم ضروري أو مكتسب أو ظن بوصول مضرة أو فوات منفعة بخلاف المستند إلى جهل مركب لأنه من العبد وبأمره العباد بالمضار كالذبح لمثل الهدي والنذر أو إباحته إياها كالصيد أو تمكينه غير العاقل كالوحوش والسباع من غير إضرار العباد لا بمثل ألم الاحتراق حين ألقي صبي في النار وألم القتل بشهادة الزور لأن الأول مما وجب طبعا بخلق الله تعالى ذلك فيها بطريق جري العادة فالعوض على الملقي والثاني مما وجب شرعا بفعل الشهود فعليهم العوض وإما في تمكين الظالم من الظلم فالعوض على الله تعالى فإن الانتصاف واجب عليه قالوا فإن كان المظلوم من أهل الجنة فرق الله تعالى أعواضه الموازنة بظلم الظالم على الأوقات المتتالية على وجه لا يتبين انقطاعها كيلا يتألم أو يتفضل الله عليه بمثل تلك الأعواض عقيب انقطاعها فلا يتألم وإن كان من أهل النار أسقط الله تعالى بأعواضه جزء من عقابه بحيث لا يظهر له التخفيف وذلك بأن يفرق القدر المسقط على الأوقات المتتالية لئلا ينقطع ألمه وفسروا الظلم بضرر غير مستحق لا يشتمل على نفع أو دفع ضرر معلوم أو مظنون ولا يكون دفعا عن نفسه ولا مفعولا بطريق جري العادة فخرج العقاب ومشقة السفر والحجامة ودفع الصائل وإحراق الله تعالى الصبي الملقي في النار فإن الإيلام إذا كان مستحقا أو مشتملا على نفع أو دفع ضر أو عاديا لا يكون ظلما بل يكون حسنا يجوز صدوره عن الله تعالى من غير عوض عليه ثم للمعتزلة في بحث الآلام والأعواض فروع واختلافات لا بأس بذكر بعضها منها أن الألم إن وقع جزاء لسيئة فهي عقوبة لا عوض عليها وإن لم يقع فإن كان من الله تعالى وجب العوض عليه وإن كان من مكلف فإن كان له حسنات أخذ الله حسناته وأعطاها المؤلم عوضا لإيلامه وإن لم يكن حسنات فعلى الله العوض من عنده حيث مكن الظالم ولم يصرفه عن الإيلام فالواجب قبل الوقوع إما الصرف وإما التزام العوض وإن كان من غير عاقل كالأطفال والوحوش والسباع فإن كان ملجأ إليه بسبب من الله تعالى كجوع وخوف ونحوهما فالعوض على الله تعالى وإلا فعلى المؤلم عند القاضي وعلى الله تعالى عند أبي علي لأن التمكين
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»