شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٥٩
ويقابله الضلال أي فقدان الطريق الموصل وقد يكون متعديا بمعنى الدلالة على الطريق الموصل والإرشاد إليه ويقابله الإضلال بمعنى الدلالة على خلافه مثل أضلني فلان عن الطريق وقد تستعمل الهداية في معنى الدعوة إلى الحق كقوله تعالى * (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) * وقوله تعالى * (وأما ثمود فهديناهم) * أي دعوناهم إلى طريق الحق * (فاستحبوا العمى على الهدى) * أي على الاهتداء وبمعنى الإثابة كقوله تعالى في حق المهاجرين والأنصار * (سيهديهم ويصلح بالهم) * وقيل معناه الإرشاد في الآخرة إلى طريق الجنة ويستعمل الإضلال في معنى الإضاعة والإهلاك كقوله تعالى * (فلن يضل أعمالهم) * ومنه * (أئذا ضللنا في الأرض) * أي هلكنا وقد يسندان مجازا إلى الأسباب كقوله تعالى * (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) * وكقوله تعالى حكاية * (رب إنهن أضللن كثيرا) * وهذا كله مما ليس فيه كثير نزاع وإنما الكلام في الآيات المشتملة على اتصاف الباري تعالى بالهداية والإضلال والطبع على قلوب الكفرة والختم والمد في طغيانهم ونحو ذلك كقوله تعالى * (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) * * (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) * * (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا) * * (من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون) * * (إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) * * (يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا) * * (ختم الله على قلوبهم) * بل طبع الله عليها بكفرهم * (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه) * * (ويمدهم في طغيانهم) * إلى غير ذلك فهي عندنا راجعة إلى خلق الإيمان والاهتداء والكفر والضلال بناء على ما مر من أنه الخالق وحده خلافا للمعتزلة بناء على أصلهم الفاسد أنه لوخلق فيهم الهدى والضلال لما صح منه المدح والثواب والذم والعقاب فحملوا الهداية على الإرشاد إلى طريق الحق بالبيان ونصب الأدلة أو الإرشاد في الآخرة إلى طريق الجنة والإضلال على الإهلاك والتعذيب أو التسمية والتلقيب بالضال أو الوجدان ضالا ولما ظهر على بعضهم أن بعض هذه المعاني لا يقبل التعليق بالمشيئة وبعضها لا يخص المؤمن دون الكافر وبعضها ليس مضافا إلى الله تعالى دون النبي صلى الله عليه وسلم وبعض معاني الإضلال لا يقابل الهداية جعلوا الهداية بمعنى الدلالة الموصلة إلى البغية والإضلال مع أنه فعل الشيطان مسندا إلى الله تعالى مجازا لما أنه بأقداره وتمكينه ولأن ضلالهم بواسطة ضربه المثل في * (يضل به كثيرا) * أوبواسطة الفتنة التي هي الابتلاء والتكليف في * (تضل بها من تشاء) * ونحن نقول بل الهداية هي الدلالة على الطريق الموصل سواء كانت موصلة أم لا والعدول إلى المجاز إنما يصح عند تعذر الحقيقة ولا تعذر وبعض المواضع من كلام الله تعالى يشهد للمتأمل بأن إضافة الهداية والإضلال إلى الله تعالى ليست إلا بطريق الحقيقة والله الهادي (قال المبحث الثاني اللطف والتوفيق) قدرة الطاعة والخذلان خلق قدرة المعصية
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»