شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٥٨
وأما على تقدير عدمه وكون الإنسان غير مكلف بأمر ولا نهي فكيف يتصور قبح إفاضة سرور دائم عليه من غير لحوق ضرر بالغير وثانيا بأن ترتب الثواب على الأعمال لا يدل على أن لها تأثيرا في إثبات الاستحقاق لجواز أن يكون فضلا من الله تعالى دائرا مع العمل كيف وجميع الأفعال لا تفي لشكر القليل مما أفاض من النعماء وكيف يعقل استحقاق مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر لمجرد تصديق القلب واللسان فيمن آمن فمات في الحال وبهذا يظهر أنه لا حاجة في إثبات الاستحقاق إلى ما شرع من التكاليف على ما فصل في علم الفقه وعلم صفات القلب وأحوال الآخرة التي يسميه الإمام حجة الإسلام بعلم السر وثالثا بأنه لو سلم لزوم الغرض فلا نسلم الإجماع على أنه لا غرض سوى ما ذكرتم فقد قيل الغرض الابتلاء وقيل شكر النعماء وقيل حفظ نظام العالم وتهذيب الأخلاق ويحتمل أن يكون أمرا لا تهتدي إليه العقول وبهذا يندفع أيضا كونه ظلما لأن الإضرار لمثل تلك المنافع يكون محض العدل سيما ممن له ولاية الربوبية وكان التصرف في خاص ملكه ورابعا بأن العمل والثواب على ما ذكرتم يشبه إجارة ولا بد فيها من رضى الأجير وإن كان الأجر أضعاف آلاف لأجرة المثل والحق على أن القول بالقبح العقلي ووجوب تركه على الله تعالى يشكل الأمر في تكليف الكافر للقطع بأنه إضرار من جهة أنه إلزام أفعال شاقة لا يترتب عليه نفع له بل استحقاق عقاب دائم وإن كان مسببا عن سوء اختياره ولا خفاء في أن مثله يقبح بخلاف تكليف المؤمن حيث يترتب عليه منافع لا تحصى وكون تكليف الكافر لغرض التعريض والتمكين أي جعله في معرض الثواب ومتمكنا من اكتسابه إنما يحسن إذا لم يعلم قطعا أنه لا يكتسب الثواب وإن استحقاق العقاب والوقوع في الهلاك الدائم كان منتفيا لولا هذا التكليف وأجاب بعض المعتزلة بأن لنا أصلا جليلا تنحل به أمثال هذه الشبه وهو أنه قد يستقبح الفعل في بادي النظر مع أن فيه حكما ومصالح إذا ظهرت عاد الاستقباح استحسانا كما في قصة موسى مع الخضر عليهما السلام من خرق السفينة وقتل الغلام وكما في تعذيب الإنسان ولده أو عبده للتأديب والزجر عن بعض المنكرات وعلى هذا ينبغي أن يحمل كل مالا يدرك فيه جهة حسن من أفعال الباري تعالى وتقدس وإليه الإشارة بقوله * (إني أعلم ما لا تعلمون) * حيث تعجب الملائكة من خلق آدم عليه السلام وبه تبين حسن خلق المؤذيات وإبليس وذريته وتبقيته ونحو ذلك قلنا إذا تأملتم فهذا الأصل عليكم لا لكم والله أعلم الفصل السادس في تفاريع الأفعال قد جرت العادة بتعقيب مسألة خلق الأعمال بمباحث الهدى والضلال والأرزاق والآجال ونحو ذلك فعقدنا لها فصلا وسميناه بفصل تفاريع الأفعال لابتناء عامة مباحثه على أنه تعالى هو الخالق لكل شيء وأنه لا قبح في خلقه وفعله وإن قبح المخلوق قال المبحث الأول الهدى قد يكون لازما بمعنى الابتداء أي وجدان طريق توصل إلى المطلوب
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»