شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٦٢
آخر هو أجله اثنان وعند الفلاسفة للحيوان أجل طبيعي بتحلل رطوبته وانطفاء حرارته الغريزيتين وآجال اخترامية بحسب أسباب لا تحصى من الأمراض والآفات قال المبحث الرابع الرزق في الأصل مصدر سمي به المرزوق وهو ما ساقه الله تعالى إلى الحيوان مما ينتفع به فيدخل رزق الإنسان والدواب وغيرهما من المأكول وغيره ويخرج مالم ينتفع به وإن كان السوق للانتفاع لأنه يقال فيمن ملك شيئا وتمكن من الانتفاع به ولم ينتفع إن ذلك لم يصر رزقا له وعلى هذا يصح أن كل أحد يستوفي رزقه ولا يأكل أحد رزق غيره ولا الغير رزقه بخلاف ما إذا اكتفى بمجرد صحة الانتفاع والتمكن منه على ما يراه المعتزلة وبعض أصحابنا نظرا إلى أن أنواع الأطعمة والثمرات تسمى أرزاقا ويؤمر بالإنفاق من الأرزاق ولهذا اختاروا في تفسير المعنى المصدري التمكن من الانتفاع وفي العيني ما يصح به الانتفاع ولم يكن لأحد منعه احترازا عن الحرام وعما أبيح للضيف مثلا قبل أن يأكل ومن فسره بما ساقه الله تعالى إلى العبد فأكله لم يجعل غير المأكول رزقا عرفا وإن صح لغة حيث يقال رزقه الله ولدا صالحا وأراد بالعبد ما يشمل البهائم تغليبا وتفسيره بالملك ليس بمطرد ولا منعكس لدخول ملك الله تعالى وخروج رزق الدواب بل العبيد والإماء مع الاختلال بما في مفهومه من الإضافة إلى الرازق اللهم إلا أن يقال المراد المملوك أي المجعول ملكا بمعنى الإذن في التصرف الشرعي وفيه معنى الإضافة ولا يشمل ملك الله تعالى ويدخل رزق غير الإنسان بطريق التغليب لكن لا بد مع هذا من قيد الانتفاع وحينئذ فخروج ملك الله تعالى ظاهر ومن فسره بالانتفاع أراد المنتفع به أو أخذ الرزق مصدرا من المبني للمفعول أي الارتزاق ولما كان الرزق مضافا إلى الرازق وهو الله تعالى وحده لم يكن الحرام المنتفع به رزقا عند المعتزلة لقبحه وقد عرفت فساد أصلهم ولزمهم أن من لم يأكل طول عمره إلا الحرام لم يرزقه الله تعالى وهو باطل لقوله تعالى * (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) * وأجيب بأنه تعالى قد ساق إليه كثيرا من المباح إلا أنه أعرض عنه لسوء اختياره على أنه منقوض بمن مات ولم يأكل حلالا ولا حراما فجوابكم جوابنا قالوا لو كان الحرام رزقا لما جاز دفعه عنه ولا الذم والعقاب عليه قلنا ممنوع وإنما يصح لو لم يكن مرتكبا للمنهي عنه مكتسبا للقبح من الفعل سيما في مباشرة الأسباب لأن السعي في تحصيل الرزق قد يجب وذلك عند الحاجة وقد يستحب وذلك عند قصد التوسعة على نفسه وعياله وقد يباح وذلك عند قصد التكثير من غير ارتكاب منهي وقد يحرم وذلك عند ارتكاب المنهي كالغصب والسرقة والربا قال المبحث الخامس السعر تقدير ما يباع به الشيء طعاما كان أو غيره ويكون غلاء ورخصا باعتبار الزيادة على المقدار الغالب في ذلك المكان والأوان والنقصان عنه ويكونان بما لا اختيار فيه للعبد كتقليل ذلك الجنس وتكثير الرغبات فيه وبالعكس وبما له فيه اختيار كإخافة السبل ومنع التبائع وادخار الأجناس
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»