شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٦٦
مثل العوض ابتداء كان الإيلام لمجرد العوض عبثا خارجا عن الحكمة وما يقال من أن للمستحق اللازم مزية على المتفضل به الغير اللازم فإنما هو في حق من يوقف من تفضله فإن قيل وهل يجوز إيلام الغير لمنفعته بدون رضاه قلنا نعم إذا كانت منفعة عظيمة موقتة تتفق العقلاء على إيثار ذلك الألم لأجلها فإن قيل فيلزم جواز ذلك للعبد أيضا أجيب بالتزامه أو بالفرق فإن الله عالم بالتمكن من التعويض بخلاف العبد وأما الإيلام بدون الرضى لمنفعة الغير على ما يراه الضميري في إيلام زيد لاعتبار عمرو وجمهور المعتزلة في ذبح الحيوانات واستعمالها لمنافع العباد فلا يعقل حسنه ومنها أنهم ذهبوا إلى أن آلام غير العاقل نفى الصبيان والمجانين والبهائم حسنة لالتزام أعواض يزيد عليها ثم اضطربوا في أنها تكون في الدنيا أم في الآخرة وفي أن البهائم هل تدخل الجنة ويخلق فيها العقل والعلم وأن ذلك عوض أم لا وفي أن عاقبة أمرها ماذا وفي بعض التفاسير أن قول الكافر يا ليتني كنت ترابا يكون حين يوصل الله تعالى إلى البهائم أعواضها ثم يجعلها ترابا وأما أعواض الكفار والفساق فقيل في الدنيا وقيل في النار بتخفيف العذاب قال الثالث الجزاء وسيأتي وهو الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية وسيأتي في مقصد السمعيات على التفصيل قال الرابع الاخترام ذهب بعض المعتزلة إلى أن الباري تعالى إذا علم من المؤمن المعصوم أو التائب أنه إن أبقاه حيا يكفر أو يفسق يجب اخترامه لأن في تركه تفويتا للغرض بعد حصوله وهو قبيح والأكثرون على أنه لا يجب لأن تفويت الغرض إنما هو بفعل العبد وهو المعصية لا بالتبقية ولأنه لم يخترم من كفر بعد الإيمان وعصى بعد الطاعة ولم يخترم إبليس مع ما روي أنه عبد الله تعالى عشرين ألف سنة ثم كفر والقول بأن ذلك كان مع النفاق بعيد جدا والاستدلال بقوله تعالى * (وكان من الكافرين) * ضعيف لقول المفسرين أنه بمعنى صار أو كان من جنس كفرة الجن وشياطينهم أو كان في علم الله تعالى ممن يكفر وأما إذا علم من المؤمن أنه يكفر أو يفسق ثم يتوب أو من الكافر والفاسق إنه يزداد كفرا وعصيانا ولا يتوب فلا يجب الاخترام كما لا يجب تبقية المؤمن إذا علم منه زيادة الطاعة ولا تبقية الطفل إذا علم منه أنه لو كلفه آمن وأما تبقية إبليس وتمكينه فقال أبو علي إنما يحسن إذا كان المعلوم أن من يعصي بوسوسته يعصي لولا وسوسته قال الخامس الأصلح ذهب البغداديون من المعتزلة إلى أنه يجب على الله تعالى ما هو أصلح لعباده في الدين والدنيا وقال البصريون بل في الدين فقط فيعنون بالأصلح الأنفع والبغداديون الأصلح في الحكمة والتدبير واتفق الفريقان على وجوب الأقدار والتمكين وأقصى ما يمكن في معلوم الله تعالى مما يؤمن عنده المكلف ويطيع وأنه فعل لكل أحد غاية مقدوره من الأصلح وليس في مقدروه لطف لو فعل بالكفار لآمنوا جميعا وإلا لكان تركه بخلا وسفها وعمدتهم القصوى قياس الغائب على الشاهد لقصور
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»