شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٦١
في العمر إلا البر أجيب بأن المعنى ولا ينقص من عمر معمر على أن الضمير لمطلق المعمر لا لذلك المعمر بعينه كما يقال لي درهم ونصفه أي لا ينقص عمر شخص من أعمار إخوانه ومبالغ مدد أمثاله وأما الحديث فخبر واحد فلا يعارض القطعي وقد يقال أن المراد الزيادة والنقصان بحسب الخير والبركة كما قيل ذكر الفتى عمره الثاني أو بالنسبة إلى ما أثبتته الملائكة في صحيفتهم فقد يثبت فيها الشيء مطلقا وهو في علم الله تعالى مقيد ثم يؤول إلى موجب علم الله تعالى وإليه الإشارة بقوله تعالى * (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) * أو بالنسبة إلى ما قدر الله تعالى من عمره لولا أسباب الزيادة والنقصان وهذا يعود إلى القول بتعدد الأجل والمذهب أنه واحد تمسك الكثيرون بأنه لو مات بأجله لم يستحق القاتل دما ولا دية أو قصاصا ولا ضمانا في ذبح شاة الغير لأنه لم يقطع عليه أجلا ولم يحدث بفعله أمرا لا مباشرة ولا توليدا وبأنه قد يقتل في الملحمة ألوف تقضي العادة بامتناع موتهم في ذلك الزمان والجواب عن الأول أن استحقاق الذم والعقوبة ليس بما ثبت في المحل من الموت بل بما اكتسبه القاتل وارتكبه من الفعل المنهي سيما عند ظهور البقاء وعدم القطع بالأجل حتى لو علم موت الشاة بإخبار الصادق أو ظهور الآمارت لم يضمن عند بعض الفقهاء وعن الثاني منع قضاء العادة بل قد يقع مثل ذلك بالوباء والزلزلة والغرق والحرق تمسك أبو الهذيل بأنه لو لم يمت لكان القاتل قاطعا لأجل قدرة الله تعالى مغيرا لأمر علمه وهو محال والجواب أن عدم القتل إنما يتصور على تقدير علم الله تعالى بأنه لا يقتل وحينئذ لا نسلم لزوم المحال وقد يجاب بأنه لا استحالة في قطع الأجل المقدر الثابت لولا القتل لأنه تقرير للمعلوم لا تغيير فإن قيل إذا كان الأجل زمان بطلان الحياة في علم الله تعالى كان المقتول ميتا بأجله قطعا وإن قيد بطلان الحياة بأن لا يترتب على فعل من العبد لم يكن كذلك قطعا من غير تصور خلاف فكان الخلاف لفظي على ما يراه الأستاذ وكثير من المحققين قلنا المراد بأجله المضاف زمان بطلان حياته بحيث لا محيص عنه ولا تقدم ولا تأخر على ما يشير إليه قوله تعالى * (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) * ومرجع الخلاف إلى أنه هل يتحقق في حق المقتول مثل ذلك أم المعلوم في حقه أنه إن قتل مات وإن لم يقتل فإلى وقت هو أجل له فإن قيل فيلزم على الأول القطع بالموت إن لم يقتل وعلى الثاني القطع بامتداد العمر إلى أمد وقد قال بجواز الأمرين البعض من كل من الفريقين أجيب بمنع لزوم الثاني لجواز أن لا يكون الوقت الذي هو الأجل متراخيا بل يكون متصلا بحين القتل أو نفسه وهذا ظاهر وأما الأول فيمكن دفعه بأن عدم قتل المقتول سيما مع تعلق علم الله تعالى بأنه يقتل أمر مستحيل لا يمتنع أن يستلزم محالا هو انقلاب الأجل وإن قدر معه تعلق العلم بأنه لا يقتل فانتفاء القطع بكون ذلك الوقت هو الأجل ظاهر لأن القطع بذلك إنما كان من جهة القطع بالقتل ثم الأجل عندنا واحد وعند من جعل المقتول ميتا بأجله مع القطع بأنه لو لم يقتل لعاش إلى أمد
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»