شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٥٦
فعلى تقدير الإيمان يكون الانقلاب ضروريا وكذا الكلام فيمن أخبر الله تعالى بأنه لا يؤمن كأبي جهل وأبي لهب وأضرابهما وقد عرفت أن هذا ليس من المتنازع فلا يكون الدليل على هذا التقرير واردا على محل النزاع وأما على تقرير كثير من المحققين فيدل على أن التكليف بالممتنع لذاته كجمع النقيضين جائز بل واقع قال إمام الحرمين في الإرشاد فإن قيل ما جوزتموه عقلا من تكليف المحال هل اتفق وقوعه شرعا قلنا قال شيخنا ذلك واقع شرعا فإن الرب تعالى أمر أبا جهل بأن يصدقه ويؤمن به في جميع ما يخبر عنه ومما أخبر عنه أنه لا يؤمن فقد أمره أن يصدقه بأنه لا يصدقه وذلك جمع بين النقضين وكذا ذكر الإمام الرازي في المطالب العالية وقال أيضا أن الأمر بتحصيل الإيمان مع حصول العلم بعدم الإيمان أمر بجمع الوجود والعدم لأن وجود الإيمان يستحيل أن يحصل مع العلم بعدم الإيمان ضرورة أن العلم يقتضي المطابقة وذلك بحصول عدم الإيمان وأجاب بعضهم بأن ما ذكر لا يدل على أن المكلف به هو الجمع بل تحصيل الإيمان هو ممكن في نفسه مقدور للعبد بحسب أصله وإن امتنع لسابق علم أو إخبار للرسول بأنه لا يؤمن فيكون مما هو جائز بل واقع بالاتفاق وفيه نظر لأن الكلام فيمن وصل إليه هذا الخبر وكلف التصديق به على التعيين وبعضهم بأن الإيمان في حق مثل أبي لهب هو التصديق بما عدا هذا الإخبار وهذا في غاية السقوط وقد يتمسك بمثل قوله تعالى حكاية ربنا * (ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) * ودلالته إما على الجواز فظاهر وإما على الوقوع فلأنه إنما يستعاذ في العادة عما وقع في الجملة لا عما أمكن ولم يقع أصلا والجواب أن المراد به العوارض التي لا طاقة بها إلا التكاليف قال وأما نفي الغرض ما ذهب إليه الأشاعرة من أن أفعال الله تعالى ليست معللة بالأغراض يفهم من بعض أدلته عموم السلب ولزوم النفي بمعنى أنه يمتنع أن يكون شيء من أفعاله معللا بالغرض ومن بعضها سلب العموم ونفي اللزوم بمعنى أن ذلك ليس بلازم في كل فعل فمن الأول وجهان أحدهما لو كان الباري فاعلا لغرض لكان ناقصا في ذاته مستكملا بتحصيل ذلك الغرض لأنه لا بد في الغرض من أن يكون وجوده أصلح للفاعل من عدمه وهو معنى الكمال لا يقال لعل الغرض يعود إلى الغير فلا تتم الملازمة لأنا نقول وحصول ذلك الغرض للغير لا بد أن يكون أصلح للفاعل من عدمه وإلا لم يصلح غرضا لفعله ضرورة وحينئذ يعود الإلزام ورد بمنع الضرورة بل يكفي مجرد كونه أصلح للغير وثانيهما لو كان شيء من الممكنات غرضا لفعل الباري لما كان حاصلا بخلقه ابتداء بل بتبعية ذلك الفعل وتوسطه لأن ذلك معنى الغرض واللازم باطل لما ثبت من استناد الكل إليه ابتداء من غير أن يكون البعض أولى بالغرضية والتبعية من البعض لا يقال معنى استناد الكل إليه ابتداء أنه الموجد بالاستقلال لكل ممكن لا أن يوجد ممكنا وذلك الممكن ممكنا آخر على ما يراه الفلاسفة وهذا لا ينافي توقف تحصيل البعض على البعض
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»