بما نهى عنه صار حسنا وبالعكس وعندهم للفعل جهة محسنة أو مقبحة في حكم الله تعالى يدركها العقل بالضرورة كحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار أو بالنظر كحسن الكذب النافع وقبح الصدق الضار أو بورود الشرع كحسن صوم يوم عرفة وقبح صوم يوم عيد فإن قيل فأي فرق بين المذهبين في هذا القسم قلنا الآمر والنهي عندنا من موجبات الحسن والقبح بمعنى أن الفعل أمر به فحسن ونهى عنه فقبح وعندهم من مقتضياته بمعنى أنه حسن فأمر به أو قبح فنهى عنه فالأمر والنهي إذا وردا كشفا عن حسن وقبح سابقين حاصلين للفعل لذاته أو لجهاته ثم لكل من الفريقين تعريفات للحسن والقبح يتناول بعضها فعل الباري وفعل غير المكلف والمباح دون البعض وقد بينا تفصيل ذلك في شرح التنقيح وفوائد شرح مختصرالأصول (قال لنا) تمسك أصحابنا بوجوه يدل بعضها على أن الحسن والقبح ليسا لذات الفعل ولا لجهات واعتبارات فيه وبعضها على أنهما ليسا لذاته خاصة الأول لو حسن الفعل أو قبح عقلا لزم تعذيب تارك الواجب ومرتكب الحرام سواء ورد الشرع أم لا بناء على أصلهم في وجوب تعذيب من استحقه إذا مات غير تائب واللازم باطل لقوله تعالى * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) * الثاني لو كان الحسن والقبح بالعقل لما كان شيء من أفعال العباد حسنا ولا قبيحا عقلا واللازم باطل باعترافكم وجه اللزوم أن فعل العبد إما اضطراري وإما اتفاقي ولا شيء منهما بحسن ولا قبيح عقلا أما الكبرى فبالاتفاق وأما الصغرى فلأن العبد إن لم يتمكن من الترك فذاك وإن تمكن فإن لم يتوقف الفعل على مرجح بل صدر عنه تارة ولم يصدر أخرى بلا تجدد أمر كان اتفاقيا على أنه يفضي إلى الترجيح بلا مرجح وفيه انسداد باب إثبات الصانع وإن توقف فذلك المرجح إن كان من العبد فينقل الكلام إليه وبتسلسل وإن لم يكن فمعه إن لم يجب الفعل بل صح الصدور واللا صدور عاد الترديد ولزم المحذور وإن وجب فالفعل اضطراري والعبد مجبور واعترض بأن المرجخ هو الإرادة التي شأنها الترجيح والتخصيص وصدور الفعل معه عندنا على سبيل الصحة دون الوجوب إلا عند أبي الحسين ولو سلم فالوجوب بالاختبار لا ينافي الاختيار ولا يوجب الاضطرار المنافي للحسن وصحة التكليف وأجيب بأنه قد ثبت بالدليل لزوم الانتهاء إلى مرجح لا يكون من العبد ويجب معه الفعل ويبطل استقلال العبد ومثله لا يحسن ولا يقبح ولا يصح التكليف به عندهم وأما الاعتراض بأنه استدلال في مقابلة الضرورة ومنقوض بفعل الباري فقد عرفت جوابه الثالث لو كان قبح الكذب لذاته لما تخلف عنه في شيء من الصور ضرورة واللازم باطل فيما إذا تعين الكذب لإنقاذ نبي من الهلاك فإنه يجب قطعا فيحسن وكذا كل فعل يجب تارة ويحرم أخرى كالقتل والضرب حدا وظلما واعترض بأن الكذب في الصورة المذكورة باق على قبحه إلا أن ترك اتجاه النبي أقبح منه فيلزم
(١٤٩)