السواد والحلاوة أمر هو الاجتماع ثم يقال مثل هذا الأمر لا يمكن بين السواد والبياض أو على سبيل النفي بأن يحكم العقل بأنه لا يمكن أن يوجد مفهوم هو اجتماع السواد والبياض كذا في الشفاء وله زيادة تحقيق وتفصيل أوردناها في شرح الأصول والمرتبة الوسطى ما أمكن في نفسه لكن لم يقع متعلقا لقدرة العبد أصلا كخلق الجسم أو عادة كالصعود إلى السماء وهذا هو الذي وقع النزاع في جواز التكليف به بمعنى طلب تحقيق الفعل والإتيان به واستحقاق العقاب على تركه لا على قصد التعجيز وإظهار عدم الاقتدار على الفعل كما في التحدي بمعارضة القرآن فإنه لاخفاء في وجوب كونه مما لا يطاق فإن قيل تكليف الجماد ليس بأبعد من هذا لجواز أن يخلق الله فيه الحياة والعلم والقدرة فكيف لم يقع النزاع في إمتاعه حتى للقائلين بجواز تكليف الممتنع لذاته قلنا لأن شرط التكليف الفهم ولا فهم للجماد حين هو جماد ثم الجمهور على أن النزاع إنما هو في الجواز وأما الوقوع فمنفي بحكم الاستقراء وبشهادة مثل قوله تعالى * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * وبما ذكرنا يظهر أن كثيرا من التمسكات المذكورة في كلام الفريقين لم ترد على المتنازع إما للمانعين فمثل قوله تعالى * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * فإنه إنما ينفي الوقوع لا الجواز فإن قيل ما علم الله أو أخبر بعدم وقوعه يلزم من فرض وقوعه محال هو جهله أو كذبه تعالى عن ذلك وكل ما يلزم من فرض وقوعه محال فهو محال ضرورة امتناع وجود الملزوم بدون اللازم فجوابه منع الكبرى وإنما يصدق لو كان لزوم المحال لذاته أما لو كان لعارض كالعلم أو الخبر فيما نحن فيه فلا لجواز أن يكون هو ممكنا في نفسه ومنشأ لزوم المحال هو ذلك العارض ولعل لهذه النكتة في بعض كتبنا تقريرا آخر وأما للمجوزين فوجوه منها مثل قوله تعالى * (أنبئوني بأسماء هؤلاء) * وقوله تعالى * (فأتوا بسورة من مثله) * وذلك لأنه تكليف تعجيز لا تكليف تحقيق ومنها أن فعل العبد بخلق الله تعالى وقدرته فلا يكون بقدرة العبد وهو معنى مالا يطاق وذلك لأن معنى مالا يطاق أن لا يكون متعلقا بقدرة العبد وما وقع التكليف به متعلق بقدرته وإن كان واقعا بقدرة الله تعالى ومنها أن التكليف قبل الفعل والقدرة معه فلا يكون التكليف إلا بغير المقدور وذلك لأن القدرة المعتبرة في التكليف هي سلامة الأسباب والآلات لا الاستطاعة التي لا تكون إلا مع الفعل ولو صح هذان الوجهان لكان جميع التكاليف تكليف مالا يطاق وليس كذلك ومنها أن من علم الله تعالى منه أنه لا يؤمن بل يموت على الكفر مكلف بالإيمان وفاقا مع استحالته منه لأنه لو آمن لزم انقلاب علم الله تعالى جهلا لا يقال لا نسلم أنه لو آمن لزم انقلاب العلم جهلا بل لزم أن يكون العلم المتعلق به من الأزل أنه يموت مؤمنا فإن العلم تابع للمعلوم فيكون هذا تقدير علم مكان علم لا تغيير علم إلى جهل كما إذا قدرت الآتي بالقبيح آتيا بالحسن فإنه يكون من أول الأمر مستحقا للمدح لا منقلبا من استحقاق الذم إلى استحقاق المدح لأنا نقول الكلام فيمن تحقق العلم بأنه يموت كافرا
(١٥٥)