واجبا جهالة وادعاء من شرذمة بخلاف العاديات فإنها علوم ضرورية خلقها الله تعالى لكل عاقل والعجب أنهم لا يسمون كل ما اخبر به الشارع من أفعاله واجبا عليه مع قيام الدليل على أنه يفعله البتة قال المبحث الخامس جعل أصحابنا جواز تكليف مالا يطاق وعدم تعليل أفعال الله تعالى بالأغراض من فروع مسألة الحسن والقبح وبطلان القول بأنه يقبح منه شيء ويجب عليه فعل أو ترك لأن المخالفين إنما عولوا في ذلك على أن تكليف مالا يطاق سفه والفعل الحالي عن الغرض فيما شأنه ذلك عبث وكلاهما قبيح لا يليق بالحكمة فيجب عليه تركه والمعتزلة منهم من ادعى العلم الضروري بقبح تكليف مالا يطاق حتى زعم بعض جهلتهم أن غير العقلاء كالصبيان والمعاتية يستقبح ذلك بل البهائم أيضا بلسان الحال حيث يحاربون بالقرون والأذناب وكثير من الأعضاء عند عدم الطاقة وأنت خبير بأن هذا منافرة للطبع وألم ومشقة وتضرر لا قبح بالمعنى المتنازع ومنهم من أثبته بقياس الغائب على الشاهد فإن العقلاء حتى الذاهلين عن النواهي الشرعية بل المنكرين للشرائع يستقبحون تكليف الموالي عبيدهم مالا يطيقونه ويذمونهم على ذلك معللين بالعجز وعدم الطاقة والجواب أن ذلك من جهة قطع المستقبحين بأن أفعال العباد معللة بالأغراض وأن مثل ذلك مناف لغرض العامة ومصلحة العالم ولا كذلك تكليف علام الغيوب إما لتنزه أفعاله من الغرض وإما لقصده حكما ومصالح لا تهتدي إليها العقول فإن قيل كلامنا في تكليف التحقيق والمعاقبة على الترك لا في التكليف لأسرار أخر كما في التحدي قلنا نحن أيضا إنما نعتبر احتمال أسرار أخر في ذلك التكليف وفي تثبيت استحقاق العقاب قال ثم المتنازع يشير إلى تحرير محل للنزاع على ما هو رأي المحققين من أصحابنا فإنه حكي عن بعضهم تجويز تكليف المحال حتى الممتنع لذاته كجعل القديم محدثا وبالعكس وعن بعضهم أن تكليف ما علم الله تعالى عدم وقوعه أو أراد ذلك أو أخبر به كلها تكليف مالا يطاق فنقول مراتب مالا يطاق ثلاث أدناها ما يمتنع بعلم الله تعالى بعدم وقوعه أو لإرادته ذلك أو لإخباره بذلك ولا نزاع في وقوع التكليف به فضلا عن الجواز فإن من مات على كفره ومن أخبر الله تعالى بعدم إيمانه يعد عاصيا إجماعا وأقصاها ما يمتنع لذاته كقلب الحقائق وجمع الضدين أو النقيضين وفي جواز التكليف به تردد بناء على أنه يستدعي تصور المكلف به واقعا والممتنع هل يتصور واقعا فيه تردد فقيل لو لم يتصور لم يصح الحكم بامتناع تصوره وقيل تصوره إنما يكون على سبيل التشبيه بأن يعقل بين
(١٥٤)