وأما قول أبي داود " ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج " فهو خطأ بل باطل. وقد رده الشيخ ابن حجر العسقلاني فقال في (تهذيب التهذيب):
وأما قول أبي داود " إن الخوارج أصح أهل الأهواء حديثا " فليس على إطلاقه. فقد حكى ابن أبي حاتم عن القاضي عبد الله بن عقبة المصري - وهو ابن لهيعة - عن بعض الخوارج ممن تاب:
إنهم إذا هووا أمرا صيروه حديثا. انتهى. (5) وقال في لسان الميزان بعد ذكره ما نقلناه عنه أنفا عن تهذيب التهذيب ما لفظه: " حدث بهذا عبد الرحمن بن مهدي الإمام ابن لهيعة فهي من قديم حديثه الصحيح أنبأنا بذلك إبراهيم بن داود شفاها أنبأنا إبراهيم بن علي أنبأنا محمد بن محمد كتابة أنبأنا أبو الحسن بن أحمد أنبأنا أبو نعيم حدثنا أحمد بن أسحق بن عبد الرحمن بن عمر حدثنا ابن مهدي بها (يعني بأن الخوارج إذا هووا أمرا صيروه حديثا).
قلت: وهذه والله قاصمة الظهر للمحتجين بالمراسيل إذ بدعة الخوارج كانت في صدر الإسلام والصحابة متوافرون، ثم في عصر التابعين فمن بعدهم. وهؤلاء إذا استحسنوا أمرا جعلوه حديثا وأشاعوه فربما سمعه الرجل السني فحدث به ولم يذكر من حدث به تحسينا للظن به فيحمله عنه غيره ويجئ الذي يحتج بالمقاطيع فيحتج به ويكون أصله ما ذكرت. فلا حول ولا قوة إلا بالله " انتهى كلام ابن حجر.
وأقول: أنصف الشيخ هنا، ولكنه نسي هذا عندما هب للدفاع عن سابقيه فكتب ما نحن بصدد تبين الحق فيه. وما لا مرية فيه أن ما زعموا صحته من مرويات النواصب أظهر بطلانا من المراسيل لأنه قد جاء من رواية منافق بيقين لأنه قد صح أن عليا لا يبغضه إلا منافق والله جل جلاله يقول (والله يعلم إن المنافقين لكاذبون). والمرسل إما فيه احتمال أن يكون فيمن طوى الراوي ذكر اسمه ناصبي وأين هذا من ذاك.
فمن الغرابة بمكان أن يقول مسلم أن الخوارج من أصح أهل الأهواء حديثا بل هم أكذب من دب ودرج، وأذنابهم منهم. ومن شاء أن يعرف صحة هذا فليباحثهم أو ليطالع كتبهم المعتمدة عندهم يجدهم يجزمون بأن من نص النبي (ص) على أنه أشقى الآخرين