وليست تلك الأحاديث بخاصة بقوم دون غيرهم. لذا قال أهل الحق أنها واردة في حق من يخالف بعمله كتاب الله وسنة سيد الخلق. وتأويلها في حق أهل النهروان أو الأصحاب تأويل باطل يتردى بصاحبه في قعر الجحيم إن لم يتب وقانا الله سوء الخاتمة.
بربك إذا كان المستقيمون اعتقادا وقولا وعملا مارقين فمن هو المسلم يا ترى؟ هي العماية والخذلان يذران النفوس في ظلمات وضلال يخال لها أنها في مهيع الرشاد والكمال.
إن ما نقلته عن ابن حجر لدليل قاطع عليك قد سلمته ولا صحة لما قيل أن الخوارج إذا هووا أمرا صيروه حديثا فإنه دس من بعض لأنه لم يظهر ذلك ولو من الغلاة منهم مع خبثهم وضلالهم وشدتهم على الأمة، ولو صح لأظهرها المنتقدون، ولو صح لكان الأصحاب أول من يتبرأ منهم فإنهم لا يخافون في الله لومة لائم والتاريخ كفيل بذلك وقد تبرؤا من كثير كانوا منهم في أكبر منزلة وأعظم اعتبار لما أحدثوا فمنهم نافع بن الأزرق وعطية الكوفي أول من تكلم في القدر ونجدة بن عامر وأضرابهم كثير تبرأ منهم المسلمون وأخرجوهم من بينهم لإحداثهم..
وأنى لك أن تقطع - إلا من طريق التأويل الفاسد - بأن أهل النهروان البررة مارقون بنص الأحاديث الصحيحة وقد سماهم الإمام علي نفسه خيار الأمة وقال له رجل: هؤلاء الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا قال: ويحك! (أولئك أهل التوراة والإنجيل). (22) كيف يكونون مارقين وفيهم كثير من الصحابة وقال بقولهم رجال من كبار التابعين وأئمة العلم ولولا اليد الحديدية الأموية لكان لهم شأن (ولنا عود). (23) أما ما زعمت من شتم أهل الاستقامة لأبي الحسن علي وأبنائه فمحض اختلاف وقد سبق لك أن الشتم ليس بعبادة وإنما يوجد شتم من بعض العلماء الغلاة وهم لا يخلو منهم مذهب من المذاهب وحسبك ما مر من قول الإمام أبي عبيدة مسلم وهو القدوة وقبوله لقول الخليفة عمر بن عبد العزيز فإذا كان الإمام بهذه المثابة فلا عبرة بمن غلا وشتم من الأتباع وأراك تطالع تلك الكتب لا لتظفر بالحقيقة واللب، وإنما لالتماس منفذ للطعن..