الظاهر وهناك صدور سليمة وقلوب فارغة لم تتقسمها الأهواء ولم يتوزعها النحل وهم جند لهم أجسام وأبدان ومناكب وكواهل وهامات ولحى وشوارب وأصوات هائلة ولغات فخمة تخرج من أجواف منكرة، وبعد فإني أتفاءل إلى المشرق وإلى مطلع سراج الدنيا ومصباح الخلق (1).
فبين هنا حالة الأمصار وأن خراسان أصلح مكان للدعوة.
وقد استطاع محمد بن علي أن يسير بالدعوة خطوات كانت بطيئة في بادئ الأمر ، إلا أنه استطاع بتدبيره أن يحكم أمرها فقد أرسل الدعاة وقال لهم: انطلقوا أيها النفر فادعوا الناس في رمق وستر (2)، وكما أنه استطاع أن يجلب كل العلويين المقاومين للأمويين إلى جانبه وأظهر أنهم إنما يدعون للقضاء على الدولة الأموية، وأن قضيتهم هي قضية جهاد الحق ضد الباطل (3).
كما أن العباسيين دعوا إلى الرضا من آل محمد ولم يعينوا شخصا وهذه الدعوة مبهمة على العلويين الذين عطفوا على الدعوة وعلى الأمويين الذين قاوموها، فقد ذكر أن عبد الله بن حسن دعا أهل بيته إلى طعام وكان فيهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله، وكان قد بلغه خبر الدعوة في خراسان فقال: إنه قد بلغنا أن أهل خراسان قد تحركوا لدعوتنا فلو نظرنا في ذلك واخترنا منا من يقوم بالأمر، فقال إبراهيم: نجمع مشايخنا وننظر في ذلك (4). فيبدو من هذا أن الأمر قد خفي على عبد الله بن الحسن ولم يعرف كنه الدعوة إلى الرضا من آل محمد وأنه قد خدع بها من قوله دعوتنا. وكما أبهم الأمر على العلويين، كذلك على الأمويين فقد كان مروان بن محمد حين بلغة أمر الدعوة إلى الرضا من آل محمد شك في شخصية المدعو إليه، وكان يعتقد أنه عبد الله بن الحسن بن الحسن (5).