وإن قلت: إن الموضح عن مذهبه بالبرهان داع إليه بذلك، والدال عليه بالحجج البينات يجتذب بها إلى اعتقاده ضرب بهذا القول - وهو الحق الذي لا شبهة فيه - إلى ما أردناه، من أن موضوع المناظرة إنما هو للموافقة ورفع الاختلاف والمنازعة.
وإذا كان ذلك كذلك، فلو حصل الغرض في المناظرة وما أجرى بها عليه لارتفعت الرحمة، وسقطت التوسعة، وعدم الرفق من الله تعالى بعباده، ووجب في (1) صفة العنت والتضييق، وذلك ضلال من قائله، فلا بد على أصلكم في الاختلاف من تحريم النظر والحجاج، وإلا فمتى صح ذلك، وكان أولى من تركه فقد بطل قولكم في الاجتهاد، وهذا ما لا شبهة فيه على عاقل.
فاعترض رجل آخر في ناحية المجلس فقال: ليس الغرض في المناظرة الدعوة إلى الاتفاق، وإنما الغرض فيها إقامة الغرض من الاجتهاد.
فقال له الشيخ (رحمه الله): هذا الكلام كلام صاحبك بعينه في معناه، وأنتما جميعا حائدان عن التحقيق والصواب، وذلك أنه لا بد في فرض الاجتهاد من غرض، ولا بد لفعل النظر من معقول.
فإن كان الغرض في أداء الفرض بالاجتهاد، البيان عن موضع الرجحان، فهو الدعاء في المعقول إلى الوفاق والإيناس بالحجة إلى المقال.
وإن كان الغرض فيه التعمية والإلغاز فذلك محال، لوجود المناظر مجتهدا في البيان التحسين لمقاله بالترجيح له على قول خصمه في الصواب.
وإن كان معقول فعل النظر ومفهوم غرض صاحبه، الذب عن نحلته والتنفير عن خلافها، والتحسين لها، والتقبيح لضدها، والترجيح لها على غيرها، وكنا نعلم