(يحتج) على أحد من العقلاء، أليس من قولكم أن الله تعالى سوغ خلقه (1) الاختلاف في الأحكام للتوسعة عليهم، ودفع الحرج عنهم رحمة منه لهم، ورفقا بهم، وأنه لو ألزمهم الاتفاق في الأحكام، وحظر عليهم الاختلاف لكان مضيقا عليهم، (معنتا) لهم، والله يتعالى عن ذلك، حتى (أكدتم) هذا المقال بما رويتموه عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " اختلاف أمتي رحمة " (2)، وحملتم معنى هذا الكلام منه على وفاق ما ذهبتم إليه في تسويغ الاختلاف.
قال: بلى، فما الذي يلزمنا على هذا المقال؟
قال شيخنا (رحمه الله): قلت له: فخبرني الآن عن موضع المناظرة، أليس إنما هو التماس الموافقة، ودعاء الخصم بالحجة الواضحة إلى الانتقال إلى موضع الحجة، وتتغير له عن الإقامة على ضد ما دل عليه البرهان؟
قال: لا، ليس هذا موضوع المناظرة، وإنما موضوعها لإقامة الحجة والإبانة عن رجحان المقالة فقط.
قال الشيخ: فقلت له: وما الغرض في إقامة الحجة والبرهان على الرجحان، وما الذي يجرانه إلى ذلك، والمعنى الملتمس به، أهو تبعيد الخصم من موضع الرجحان والتنفير له عن المقالة بإيضاح حججها، أم الدعوة إليها بذلك، واللطف في الاجتذاب إليها به؟؟
فإن قلت: إن الغرض للمحتج التبعيد عن قوله بإيضاح الحجة عليه، والتنفير عنه بإقامة الدلالة على صوابه؟ قلت: قولا يرغب عنه كل عاقل، ولا يحتاج معه لتهافته إلى كسره.