المخاطب في هذه الآيات وإن كان أهل الكتاب، لكن الآيات هذه منطبقة على أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضا تمام الانطباق، إذ يجوز أن يقال: ولو أن الأمة الإسلامية آمنت، ولو أنهم آمنوا واتقوا، لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم، ولو أنهم أقاموا الكتاب والسنة، وما أنزل إليهم من ربهم في أمير المؤمنين وأهل البيت الأطهار، لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، والأمة الإسلامية أيضا منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون.
مرة أخرى يعود ويقول: * (قل يا أهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والإنجيل) *، فقبل * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) * كانت الآية * (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل) *، وبعدها أيضا * (لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم) * ومع ذلك * (ليزيدن كثيرا منهم ) * من هذه الأمة * (ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين) *.
كما أن أهل الكتاب أمروا بالعمل بكتبهم، أي اليهود مأمورون بالعمل بالتوراة، والنصارى مأمورون بالعمل بالإنجيل، فالمسلمون مأمورون بالعمل بالكتاب والسنة، فإذا عملوا بالكتاب والسنة وما أنزل إليهم من ربهم، لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكن ليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا.
وحديث الغدير من أظهر مصاديق ما أنزل إلى رسول الله، وأتم به الله سبحانه وتعالى الحجة على الأمة، قال تعالى: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) *.
وقد قرأنا في حديث الدار في يوم الإنذار: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " أمرني ربي بأن أبلغ القوم ما أمرت به، فضقت بذلك ذرعا حتى نزل جبرئيل وقال: إن لم تفعل لم تبلغ ما أرسلت به ".
فكانت الدعوة وكان إبلاغ إمامة أمير المؤمنين وخلافة إمامنا (عليه السلام) من جملة ما أمر به رسول الله منذ بدء الدعوة، وإلى أواخر أيام حياته الشريفة المباركة، لأن هذه الآية في سورة المائدة، وسورة المائدة آخر ما نزل من القرآن بإجماع المسلمين.