إن الله سبحانه وتعالى أمكنه أن يعمر نوحا هذا العمر، أمكنه أن يبقي خضرا في هذا العالم هذه المدة، أمكنه سبحانه وتعالى أن يبقي عيسى في العالم الآخر هذه المدة، الذي هو من ضروريات عقائد المسلمين، ومن يمكنه أن ينكر وجود عيسى؟! وأيضا: في رواياتهم هم يثبتون وجود الدجال الآن، يقولون بوجوده منذ ذلك الزمان، فإذا تعددت الأفراد، وتعددت المصاديق، وتعددت الشواهد، يقل الاستبعاد يوما فيوما، وهذه الاكتشافات والاختراعات التي ترونها يوما فيوما تبدل المستحيلات إلى ممكنات، فحينئذ ليس لسعد التفتازاني وغيره إلا الاستبعاد، وقد ذكرنا أن الاستبعاد يزول شيئا فشيئا.
يمثل بعض علمائنا ويقول: لو أن أحدا ادعى تمكنه من المشي على الماء، يكذبه الحاضرون، وكل من يسمع هذه الدعوى يقول: هذا غير ممكن، فإذا مشى على الماء وعبر النهر مرة يزول الاستغراب أو الاستبعاد من السامعين بمقدار هذه المرة، فإذا كرر هذا الفعل وكرره وكرره أصبح هذا الفعل أمرا طبيعيا وسهل القبول للجميع، حينئذ هذا الاستبعاد يزول بوجود نظائر ذلك.
إلا أن ابن تيمية ملتفت إلى هذه الناحية، فيكذب أصل حياة الخضر ويقول: بأن أكثر العلماء يقولون بأن الخضر قد مات، فيضطر إلى هذه الدعوى، لأن هذه النظائر إذا ارتفعت رجع الاستبعاد مرة أخرى.
لكنك إذا رجعت مثلا إلى الإصابة لابن حجر العسقلاني (1) لرأيته يذكر الخضر من جملة الصحابة، ولو رجعت إلى كتاب تهذيب الأسماء واللغات للحافظ النووي (2) الذي هو من علماء القرن السادس أو السابع يصرح بأن جمهور العلماء على أن الخضر حي، فكان الخضر حيا إلى زمن النووي، وإذا نزلت شيئا فشيئا تصل إلى مثل القاري في