وإذا ما رجعتم إلى كتاب المواقف، شرح المواقف، شرح المقاصد، وغير هذه الكتب، ترونهم مضطربين، لا يعلمون ما يقولون، لا يفهمون بما يحكمون، فما لهم كيف يحكمون؟ راجعوا شرح المواقف وشرح المقاصد وغيرهما من كتب القوم:
فتارة يوافقون على قبح تقدم المفضول على الفاضل، وهذه الأحاديث صحيحة.
وتارة يتأملون وكأنهم لا يعلمون أن تقديم المفضول على الفاضل قبيح أو لا، ويتركون البحث على حاله؟
وقد نقلت هنا عبارة كتاب المواقف للقاضي الإيجي، الذي ذكر في هذه المسألة الخلاف في تقدم المفضول وعدم تقدم المفضول، وأنه قبيح أو لا، وهو ساكت لا يختار أحد القولين، لأنه لا يدري ماذا يقول؟ يبقى متحيرا، يبقى مضطربا، لأن الأمر يدور بين الأمرين كما ذكرت.
وإذا سألت القاضي الإيجي عن أن أبا بكر أفضل من علي أو لا، وتريد منه الكلام الصريح والفتوى الواضحة في هذه المسألة، والإفصاح عن رأيه؟
يقول: بأن الأفضلية لا يمكننا أن ندركها ونتوصل إليها! ثم إن الصحابة قدموا أبا بكر وعمر وعثمان على علي، وجعلوا أولئك أفضل من علي، وحسن الظن بهم - أي بالصحابة - يقتضي أن نقول بقولهم ونوكل الأمر إلى الله سبحانه وتعالى.
وهكذا يريد الفرار من هذه المسألة، والخروج عن عهدة هذه القضية، وإلقاء المسؤولية على الصحابة.
فأقول للقاضي الإيجي: إذن، لماذا أتعبت نفسك؟ إذن، لماذا بحثت عن هذه المسألة؟ ولماذا طرحت هذه القضية في كتابك الذي أصبح أهم متن من الكتب الكلامية؟
وكان عليك من الأول أن تقول: بأن الصحابة كذا فعلوا، ونحن كذا نقول، وإنا على آثارهم مقتدون، وكذلك يفعلون.
وإنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.