مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣٥ - الصفحة ٢٠٣
هائلة في نبش التراث الإسلامي وتحقيقه ونشره، وتكشيفه وفهرسته، ولكن عددا غير قليل منهم كانوا ضحية مناهجهم الخاصة، التي أملتها النظرة المركزية الأوروبية، وروح السيطرة الاستعمارية، فكان عملهم في تحقيق التراث ونشره، وترجمته، يستمد مرجعيته من تلك النظرة، ولذا لم يستطع هؤلاء أن يخفوا هذه الروح، التي تجلت بشكل واضح في معظم أعمالهم.
* * * في هذا الضوء يمكن أن نعرف السبب الذي دعا بعض الأوروبيين للاهتمام بنشر التراث العربي الإسلامي في وقت مبكر، فقد تم طبع القرآن الكريم في مطبعة باغانيني بالبندقية، ويبدو من بعض القرائن أنه طبع سنة 1499 م، بينما يذكر آخرون أنه ربما طبع سنة 1509 م، أو بعد ذلك (22)، إذ رجح البعض أن يكون تاريخ طبعه سنة 1530 م تقريبا، إلا أن جميع النسخ التي طبعت أحرقت، وكانت هذا الطبعة كاملة لكل القرآن، ولم يعثر لها على أثر حتى الآن، وأقدم من ذكرها هو أربنيوس في كتابه (مبادئ اللغة العربية، ليدن 1620 م) (23).
ومنذ لك التاريخ، نلاحظ اهتماما متناميا في طبع الكتاب العربي ونشره، مع العلم أنه لم تمض بعد سنوات طويلة على ظهور الطباعة في أوروبا، فقد ظهرت نحو منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، وقد تتابع نشر بعض الكتب ببطء في بداية الأمر، ثم ما لبث أن أزداد بنحو تدريجي بعد قرن من الزمان، حتى أضحت حركة نشر التراث العربي الإسلامي في أوروبا واسعة جدا مع مرور الأيام، لتبلغ ذروتها في القرن التاسع عشر، عصر تعاظم نفوذ الاستعمار الغربي، وتسلطه على الكثير من أقاليم العالم الإسلامي.

(22) ن. م، ق 1: ص 246.
(23) بدوي، د. عبد الرحمن. موسوعة المستشرقين: بيروت: دار العلم للملايين، ط 3 (طبعة جديدة منقحة ومزيدة)، 1993 م، ص 438.
(٢٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»
الفهرست