من دون وصي أو دليل يقودها إلى تراثها، أو يدلها عليه، لأن تراث الأمة - كما ألمحنا - هو ذاتها وهويتها، ولا تحتاج الذات لكي تعي وتكتشف ذاتها إلى وسيط، فكل ذات حاضرة لذاتها، وإدراكها لذاتها أمر وجداني، وربما تسبب الاعتماد على أي وسيط في وعي الذات لذاتها إلى التباس صورة الذات، وتشوهها، وتغييب المقومات الرئيسية لها، كما يتجلى ذلك في الصورة التي غالبا ما يستعيرها بعض الكتاب المتغربين من الباحثين الغربيين المهتمين بالشرق والمجتمعات الشرقية، فيعاينون أمتهم بواسطة ما رسمه الاستشراق التقليدي من صورة مشوهة للأمة المسلمة وتراثها، فيغدو التراث وما يحفل به من عناصر فعالة في دفع مسيرة الأمة نحو التطور والكمال، معيقا لا بد من الافلات منه، فيما يضحى تاريخ الأمة ورموزها تركة ثقيلة، أو بتعبير أحد هؤلاء (كومة أحجار)! ويستنسخ كل شئ من التراث الغربي، حتى الأساطير اليونانية القديمة! في محاولة لتدمير هويتنا من خلال محاولة حذف تراثنا واستبداله بتراث غريب.
وعلى هذا تصير عملية إحياء تراثنا ونشره من المهام الحضارية العظمى التي تتوقف عليها نهضة الأمة، وتحررها، واستقلالها، لأن النهضة تتقوم بالتراث، وإحياء التراث هو الوسيلة الوحيدة لتقديم هذا التراث بين أيدي الناس، وتحريره من الغرف المغلقة في خزائن المخطوطات، ووضعه في متناول الجميع، وتيسير الانتفاع به، واستلهام ما يشتمل عليه من إرث حضاري كبير، يقي الأمة من عمليات مسخ هويتها وتفتيت شخصيتها.
دور القدماء في صيانة التراث وحفظه:
لقد بذل العلماء المسلمون منذ عصر التدوين الأول جهودا كبيرة في كراسة التراث، وصيانته، والمحافظة عليه، ولولا تلك الجهود الرائدة المبذولة في هذا السبيل لتعرض هذا التراث للاضطراب، والتبعثر، والضياع التام، كما