مدارج وميز أسلسها على الأسلات (23)، وأعذبها على العذبات (24)، وأحلاها في الذوق وأسمحها، وأبهاها عند السبر وأملحها، وأبعدها من مج الأسماع، وأقربها امتزاجا بالطباع، وأوقعها لفحول الأمة الناغمة بأجراسها، وأحسنها طباقا لطرق أنفاسها.
ولما انتقل من انتقاء وسائطها، بعد انتقاد بسائطها، إلى أن يؤلف ويركب، ويرصف ويرتب، عمد في عمل التراكيب إلى أشرف الأنماط والأساليب، فألف أنماطا تستهش (25) أنفس الناطقين، وكلمات تتحلب (26) لها لهى (27) الذائقين، وتجول في فجوات الأفواه، فتتمطق (28) بها مستلذات، ويطرق بها الآذان فتهوي بها مغذات (29)، وما طنت على مسامع أحد من أجيال الأعاجم، وأخياف الطماطم (30) إلا أصغى إليها متوجسا، وأصاخ لها مستأنسا، وأناس (31) فوديه (32) مستعجبا، وأمال عطفيه مستغربا، وقال: ما هذا اللسان المستلذ على الصماخ (33) إيقاعه، المحلولى في مخارق الآذان استماعه، المفارق لجميع اللغات والألسنة، المصون من الحروف الملكنة.