مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٣ - الصفحة ٢٣٢
تكاثر نكت علم البيان وفقره، ومحاسن حجوله وغرره، وغرائب وشيه وأعلام حبره، تنثال إرسالا على الناظر البصير، وتزدحم أسرابا على الناقد النحرير.
وأنا أضرب لك سورة الكوثر - وهي أقصر السور - مثالا أنصبه بين يديك، وأجعله نصب عينيك، فأنت أكيس الأكياس، ومعك نهية (88) كشعلة المقباس، وتكفيك الرمزة وإن كانت خفية، والتنبيهة وإن كانت غير جلية، فكيف إذا ذللت بأنور من وضح الفلق، وأشهر من شية (89) الأبلق.
أقول وبالله التوفيق: ورد على رسول الله صلى الله عليه وآله عن عدو الله العاص بن وائل (90) ما يهدم مقاله، ويهزم محاله (91)، وينفس عن رسوله، وينيله نهاية سؤله، فأوحى إليه سورة على صفة إيجاز واختصار، وذلك ثلاث آيات قصار، جمع فيها ما لم يكن ليجتمع لأحد من فرسان الكلام، الذين يخطمونه بالخطام (92) ويقودونه بالزمام، كسحبان (93) وابن عجلان، وأضرابهما من الخطباء المصاقع والبلغاء البواقع (94) الذين تفسحت في هذا الباب خطاهم، وتنفس في ميادينه مداهم.
أنظر إلى العليم الحكيم كيف حذا ثلاث الآيات على عدد المسليات، من

(٨٨) النهية: العقل " لسان العرب - نهى - ١٥: ٣٤٦ ".
(٨٩) الشية: كل لون يخالف معظم لون الفرس وغيره، وأصله من الوشي. " النهاية - شيه - ٢: ٥٢٢ ".
(٩٠) العاس بن وائل بن هاشم السهمي، من قريش، أحد الحكام في الجاهلية، كان نديما لهشام بن المغيرة وأدرك الإسلام، وظل على الشرك ويعد من المستهزئين ومن الزنادقة الذين ماتوا كفارا وثنيين، وهو والد عمرو بن العاص صاحب معاوية. " الأعلام ٣: ٢٤٧ ".
(٩١) يقال: رجل يماحل: أي يدافع ويجادل، من المحال، بالكسر، وهو الكيد، وقيل: المكر، وقيل:
القوة والشدة، أنظر " النهاية - محل - ٤: ٣٠٣ ".
(٩٢) الخطام: الزمام. وخطمت البعير: زممته " الصحاح - خطم - ٥: ١٩١٥ ".
(٩٣) سحبان بن زفر بن أياس الواثلي، من باهلة، خطيب يضرب به المثل في البيان، يقال: " أخطب من سحبان " و " أفصح من سحبان " اشتهر في الجاهلية وعاش زمنا في الإسلام، وكان إذا خطب يسيل عرقا ولا يعيد كلمة، أسلم في زمن النبي ولم يجتمع به.
" الإصابة ٢: ١٠٩ / ٣٦٦٣، بلوغ الإرب ٣: ١٥٦، مجمع الأمثال ١: ٢٤٩، الأعلام ٣: ٧٩ ".
(94) الباقعة: الرجل الداهية. " لسان العرب - بقع - 8: 19 ".
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»
الفهرست