رسالة في إعجاز سورة الكوثر للزمخشري حامد الخفاف تقديم بسم الله الرحمن الرحيم مما لا مجال للشك فيه أن عهد نزول القرآن في حياة العرب يمثل ذروة اهتمام المجتمع القبلي في الجزيرة العربية ببلاغة الكلمة وفصاحة المنطق ودقة الحس البياني، أكثر من أي وقت مضى، فليس غريبا عنا ما كانت توليه القبيلة من احترام وتقدير لأصحاب اللسان الماشق والحس المرهف، فترى الشاعر سيف القبيلة الناطق، الذي تجرده بوجه أعدائها، وتقدمه درعا واقيا يرد عنها سهام الكلام، حتى أن أبياتا من الشعر تحوي من قارص الكلم أشده يمكن أن تفعل فعلها أشد من السنان وأمضى من المهند المصقول.
وذاك سوق عكاظ، نادي الأدباء العرب - إن صح التعبير - يجتمعون فيه، لتتصارع الكلمة في حلبة البلاغة، وليتبارز البيان بسيوف الفصاحة، تشد إليه الرحال، وتعقد عليه الآمال، كل ذلك كان يعمق في الجزيرة العربية حقيقة كونها مجتمع الكلمة الذي لم يعرف اللحن له طريقا، ولا العجمة سبيلا.
وجاء القرآن، كلام الله المجيد، ينشر من أريجه عطر القداسة، ويضم بين دفتيه ما يحير العقول، ويأخذ بالألباب، انظروا إلى عدو الله الوليد بن المغيرة