مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٣ - الصفحة ٢١٦
وأهل التأويل خاضوا في محكمها ومتشابهها، ومجملها ومفصلها، وناسخها ومنسوخها.
وأهل النحو بسطوا الكلام في تصانيفهم بسطا فكل أنفق على قدر ما رزق، ثم لم يبلغنا عن واحد منهم أنه شمر ذيله وادرع ليله (3) في بيان وجه الإعجاز على التفصيل سورة فسورة وآية فآية، فابتدأ مثلا بفاتحة الكتاب فكشف عن وجه الإعجاز في ثلاث آيات منها، ثم ترقى إلى ثلاث آيات أخر فكشف عنها أيضا وجه الإعجاز إلى أن ينتهي إلى آخرها، مع شدة الحاجة إلى ذلك في كل زمان، إذ حجة الله تعالى قائمة، ومعجزته على وجه الدهر باقية.
وكذلك لم ينقل أنهم صنفوا في هذا الباب على هذا الوجه تصنيفا مع تهالهكم وولوعهم، والعجب أنهم صنفوا في حلي الصحابة والتابعين وهيئاتهم، فذكروا الطوال منهم والقصار، ومن ابتلي منهم بالعمي والعور والعرج والعجمة والزمانة والشلل، مع أن بالخلق مندوحة وغنية عن ذلك.
وهذا أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (4) صنف كتبا في الجد والهزل تكاد لا تعد ولا تحصى، فصنف كتابا سماه " القعرة والشفرة " (5) وآخر سماه " مفاخرة الشتاء والصيف " إلى أشباه هذا كثيرة، صعد فيها وصوب، وشرق وغرب،

(٣) يقال: " شمر ذيلا وادرع ليلا " أي استعمل الحزم واتخذ الليل جملا. " الصحاح - درع - ٣: ١٢٠٧ ".
(٤) عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ: كبير أئمة الأدب، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة، ولد سنة ١٦٣ ه‍، وكان مشوه الخلقة، وفلج في آخر عمره، له تصانيف كثيرة ذكرت في مظان ترجمته، قتلته مجلدات من الكتب وقعت عليه، مات في البصرة سنة ٢٥٥ ه‍.
أنظر " تأريخ بغداد ١٢: ٢١٢، وفيات الأعيان ٣: ٤٧٠ / ٥٠٦، لسان الميزان ٤: ٣٥٥ / ١٠٤٢، ميزان الاعتدال ٣: ٣٤٧ / ٦٣٣٣، شذرات الذهب ٢: ١٢١، الأعلام ٥: ٧٤ ".
(5) امرأة قعرة وقعيرة: بعيدة الشهوة، عن اللحياني، وقيل: هي التي تجد الغلمة في قعر فرجها، وقيل:
هي التي تريد المبالغة، وقيل: سوء في الجماع " لسان العرب - قعر - 5: 109 ".
والشفرة والشفيرة من النساء: التي تجد شهوتها في شفرها فيجئ ماؤها سريعا، وقيل: هي التي تقنع من النكاح بأيسره، وهي نقيض القعيرة " لسان العرب - شفر - 4: 419 ".
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»
الفهرست