وأهل التأويل خاضوا في محكمها ومتشابهها، ومجملها ومفصلها، وناسخها ومنسوخها.
وأهل النحو بسطوا الكلام في تصانيفهم بسطا فكل أنفق على قدر ما رزق، ثم لم يبلغنا عن واحد منهم أنه شمر ذيله وادرع ليله (3) في بيان وجه الإعجاز على التفصيل سورة فسورة وآية فآية، فابتدأ مثلا بفاتحة الكتاب فكشف عن وجه الإعجاز في ثلاث آيات منها، ثم ترقى إلى ثلاث آيات أخر فكشف عنها أيضا وجه الإعجاز إلى أن ينتهي إلى آخرها، مع شدة الحاجة إلى ذلك في كل زمان، إذ حجة الله تعالى قائمة، ومعجزته على وجه الدهر باقية.
وكذلك لم ينقل أنهم صنفوا في هذا الباب على هذا الوجه تصنيفا مع تهالهكم وولوعهم، والعجب أنهم صنفوا في حلي الصحابة والتابعين وهيئاتهم، فذكروا الطوال منهم والقصار، ومن ابتلي منهم بالعمي والعور والعرج والعجمة والزمانة والشلل، مع أن بالخلق مندوحة وغنية عن ذلك.
وهذا أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (4) صنف كتبا في الجد والهزل تكاد لا تعد ولا تحصى، فصنف كتابا سماه " القعرة والشفرة " (5) وآخر سماه " مفاخرة الشتاء والصيف " إلى أشباه هذا كثيرة، صعد فيها وصوب، وشرق وغرب،