الحلاقم (٥٢) ويجر الغلاصم (٥٣)، وهو أن الله تعالى ادخر لمحمد عليه صلاته وسلامه كل فضيلة، وزوى عنه كل رذيلة، واختصه بكل توقير، وبعد حاله من كل تحقير، واختار له كل ما يقع عليه الاختيار، وخوله ما يطول به الافتخار، فجعل ذاته خيرة الإنس، وصفوة الأنبياء، وسيد الأموات والأحياء، والأمة التي انتضاه منها خير أمة، والأئمة الذين استخلفهم بعده خير أئمة، وكتابه الذي أنزل عليه خير كتاب، وأصحابه الذين قرنهم به خير أصحاب، وزمانه الذي بعثه فيه خير زمان، ولسانه الذي نطق به خير لسان، ولا يحسن أن ينزل على أفضل رسول، أفضل كتاب بلسان مفضول، ومن لم يعقل عن الله تعالى: ﴿بلسان عربي مبين﴾ (54) فلا عقل، ومن لم ينقل: (خير اللسان العربي) فلا نقل، ثم هو لسان أهل الجنة، وذلك طول من ذي الطول والمنة.
ووجدت العرب كما يتباهون بالشدة في مواطن الحرب، وبالنجدة في مقاوم الطعن والضرب، وبدقهم في النحور صدور الرماح، وحطمهم في الرقاب متون الصفاح، يتحلقون فيعدون أيامهم في الجاهلية والإسلام، ووقائعهم في أشهر الحل والإحرام، كذلك حالهم في التباهي بالكلام الفحل، والتباري في المنطق الجزل، والافتخار بالألسن اللد، وإرسالها في أودية الهزل والجد، وبثبات الغدر (55) في مواقف الجدل والخصام، وعند مصاك الركب ومصاف الأقدام، ليسوا في مجالدتهم بأشد منهم في مجادلتهم، ولا في مقاتلتهم بأحد منهم في مقاولتهم، ولقد نطقت بذلك أشعارهم، وشهدت به آثارهم.