وحشاها بما لا حاجة للخلق فيه إلى معرفته، ثم لما آل الأمر إلى بيان وجه الإعجاز على التفصيل آية فآية وسورة فسورة، ضم شفتيه ضما، وختم على لسانه ختما، فلم ينبس بكلمة أو كلمتين، ورضي من الغنيمة بالإياب (6).
وإذ صح أن السلف رحمهم الله مع تقدم الخواص منهم في علم البيان، والتبحر في الإحاطة بحقائق المعاني، وصدق رغبتهم في إحراز الثواب، وحاجتهم إلى أن يكون لهم لسان صدق في الآخرين ممر الأحقاب، لم يشتغلوا ببيان الإعجاز على التفصيل في كل آية منه، بل أعرضوا من ذلك بواحدة مع أنهم أشاروا إلى ذلك على سبيل الاجمال، والحال لا تخلو إما أن يقال خفي عليهم وجه الإعجاز على التفصيل على هذا الوجه، فلم يقفوا عليه ولم يهتدوا إليه أولا. فإن قيل:
خفي عليهم ولم يقفوا عليه ولم يجدوا طريقا إليه. فيقال: إذن مؤنة البحث والتنقير عنهم ساقطة، ووجوه العذر لهم في الإعراض عن ذلك ظاهرة.
ولئن لم يخف عليهم فلم لم يصرفوا معظم همهم إلى هذا الأمر العظيم، والخطب الجسيم، فيصنفوا ويشرحوا كما صنفوا في فروع الأحكام من الحلال والحرام، وصنفوا في فروع الكلام، فلم يبق إلا أن يقال: أحدث في الكل منعا منعهم عن ذلك لمصلحة رآها فيه.
فهذه عدة أسئلة فليتفضل أدام الله علوه بالإجابة عنها، والله يعصمه من الخطأ والزلل، ويوفقه لإصابة القول والعمل، إنه على ما يشاء قدير. تمت.
* *