وما ذاك إلا لأن حكم المسموعات حكم المبصرات والممسوسات، وغيرها من سائر المحسوسات، فكما أن الأعين فارقة بين المناظر العثاث والملاح، والأوجه القباح والصباح، والأنوف فاصلة بين الأعطار الفوائح، وبين مستكرهات الروائح، والأفواه مميزة بين طعوم المآكل والمشارب وبين المستبشعات منها والأطائب، والأيدي مفرزة لما استلانت مما استخشنت، ولما استخفت مما استرزنت (34)، كذلك الآذان تعزل مستقيمات الألحان من عوجها، وتعرف مقبول الكلام من ممجوجها، والألسن تنبسط إلى ما أشبه من الكلام مجاج الغمام (35)، وتنقبض عما يشاكل منه أجاج (36) الجمام (37)، وهذه طريقة عامية يسمعها ويبصرها ويسلمها ولا ينكرها من يرى به شئ من طرف، أو يرامق (38) بأدنى عرف.
وأما الطريقة الخاصية التي تضمحل معها الشبه، ويسكت عندها المنطبق المفوه، فما عنى بتدوينه العلماء، ودأب في تضييفه العظماء، في ألفاظ العربية وكلمها، من بيان خصائصها ونوادر حكمها، مما يتعلق بذاوتها، ويتصل بصفاتها، من العلمين الشريفين، والعلمين المنيفين، وهما علم الأبنية وعلم الإعراب، المشتملان على فنون من الأبواب، وناهيك بكتاب سيبويه (39) الذي