مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٣ - الصفحة ٢٢٠
عنه كشحا، ولم يوله لمحه طرف، ولم ينطق في شأنه بحرف.
أما العرب فقد صح أن لغتها أصح اللغات، وأن بلاغتها أتم البلاغات، وكل من جمح في عنان المناكرة، وركب رأسه في تيه المكابرة، ولم يرخ للتسليم والإذعان مشافره (19) فما أفسد حواسه ومشاعره! وهو ممن أذن بحرب منه لعقله الذي هو إمامه في المرشد، ولتمييزه الذي هو هاديه إلى المقاصد.
إعلم يا من فطر على صلابة النبع، وأمد بسلامة الطبع، ووفق للمشي في جادة العدل والإنصاف، وعصم من الوقوع في عاثور الجور والاعتساف، فإن واضع هذا اللسان الأفصح العربي من بين وضاع الكلام، إن لم يكن واضعه رافع السماء وواضع الأرض للأنام، فقد أخذ حروف المعجم التي هي كالمادة والعنصر، وبمنزلة الإكسير والجوهر، فعجمها مبسوطات فرائد، ودافها (20) الواحد فالواحد، وتقلقلت في يده قبل التأليف، تقلقل الدنانير في أيدي الصياريف (21)، حين تراهم ينفون زيفها وبهرجها (22)، ويصطفون إبريزها وزبرجها، فتخير من بينها أطوعها مخارج، وتنخل منها أوطأها

(١٩) الشفر: بالضم، وقد يفتح، حرف جفن العين الذي ينبت عليه الشعر " النهاية - شفر - ٢: ٤٨٤ ".
(٢٠) داف الشئ ذوفا وأدافه: خلطه " لسان العرب - دوف - ٩: ١٠٨ ".
(٢١) لم يرد جمع الصيرفي أي النقاد على هذه الصيغة إلا في الشعر قال ابن منظور: " الجمع صيارف وصيارفة، والهاء للنسبة، وقد جاء في الشعر الصيارف، فأما قول الفرزدق:
تنفى يداها الحصى في كل هاجرة * نفي الدراهيم تنقاد الصيارف فعلى الضرورة لما احتاج إلى تمام الوزن أشبع الحركة ضرورة حتى صارت حرفا ".
وقال الفيروزآبادي: " وقد جاء في الشعر صياريف " ولعل ما أورده الزمخشري تبعا لاقتضاء سجع العبارة ظاهرا، أنظر " لسان العرب ٩: ١٩٠، القاموس المحيط ٣: ١٦٢، مادة صرف ".
(٢٢) البهرج: الباطل، واللفظة معربة. وقيل كلمة هندية أصلها نبهله، وهو الردئ، فنقلت إلى الفارسية، فقيل نبهره، ثم عربت فقيل: بهرج. " النهاية - بهرج - 1: 166 ".
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»
الفهرست