عنه كشحا، ولم يوله لمحه طرف، ولم ينطق في شأنه بحرف.
أما العرب فقد صح أن لغتها أصح اللغات، وأن بلاغتها أتم البلاغات، وكل من جمح في عنان المناكرة، وركب رأسه في تيه المكابرة، ولم يرخ للتسليم والإذعان مشافره (19) فما أفسد حواسه ومشاعره! وهو ممن أذن بحرب منه لعقله الذي هو إمامه في المرشد، ولتمييزه الذي هو هاديه إلى المقاصد.
إعلم يا من فطر على صلابة النبع، وأمد بسلامة الطبع، ووفق للمشي في جادة العدل والإنصاف، وعصم من الوقوع في عاثور الجور والاعتساف، فإن واضع هذا اللسان الأفصح العربي من بين وضاع الكلام، إن لم يكن واضعه رافع السماء وواضع الأرض للأنام، فقد أخذ حروف المعجم التي هي كالمادة والعنصر، وبمنزلة الإكسير والجوهر، فعجمها مبسوطات فرائد، ودافها (20) الواحد فالواحد، وتقلقلت في يده قبل التأليف، تقلقل الدنانير في أيدي الصياريف (21)، حين تراهم ينفون زيفها وبهرجها (22)، ويصطفون إبريزها وزبرجها، فتخير من بينها أطوعها مخارج، وتنخل منها أوطأها