أي شخص ظفروا به وإن لم يكن هو قاتل ذلك المقتول، وغير ذلك من رذائل الأخلاق والعادات الناشئة عن الجهل والعصبية، فدعا هم صلى الله عليه وآله إلى الإسلام، وهذبهم عن رذائل الأخلاق، ومساوئ العادات، وعلمهم العلوم النافعة، والأحكام الشرعية المتقنة، ورغبهم إلى النصح والتودد والاحسان، ونهاهم عن الظلم والفساد والعدوان، وأتعب نفسه الشريفة في إعلاء كلمة التوحيد، وإقامة العدل بينهم، وإنقاذهم من الكفر والشرك والضلالة، وتحمل أنواع الأذى والصدمات من الجهال والكفار.
فقد كان صلى الله عليه وآله زمان بعثته ساكنا في مكة المعظمة، وكانت عامة أهلها إلا من شذ منهم كفارا مشركين، أو عابدين للأصنام كما ذكر، فلما أظهر صلى الله عليه وآله دعوته بينهم، ودعاهم إلى الإسلام، وأمرهم بخلع الأنداد والأصنام، شق ذلك عليهم، واستنكفوا عن إجابة دعوته، و جملة منهم كأبي جهل، وأبي لهب، وأبي سفيان، وأمثالهم من كفار قريش الذين كانوا في نهاية العداوة والبغضاء معه، لما رأوا عدم انصرافه عن دعوته، وشاهدوا إقبال بعض الناس من الرجال والنساء إليه، و إيمانهم به، اتفقوا على مخالفته وتكذيبه، ونسبوا السحر والجنون والكهانة إليه، ومنعوا الناس عن التشرف بمحضره لاستماع مواعظه و تبليغاته، وعن مشاهدة معجزاته، وإفشاء كراماته، ولم يقصروا عن إيراد أنواع الأذى والصدمات عليه وعلى المؤمنين به، فأمر صلى الله عليه وآله أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، فخرجت جماعة منهم إليها.
وكفاك في هذا المقام خبر الصحيفة الملعونة التي كتبتها قريش في مقاطعة بني هاشم (بعدما رأت أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قد نزلوا بلدا أصابوا به أمنا وقرارا، وصار الإسلام يفشو في القبائل) على أن لا يؤاكلوا بني هاشم، ولا يكلموهم، ولا يبايعوهم، ولا يناكحوهم، ولا