لوامع الحقائق في أصول العقائد - ميرزا أحمد الآشتياني - ج ١ - الصفحة ٢٠
من خلقة العالم شيئا آخر، والحق الصريح الحقيق بالتصديق لمن جانب الهوى، ورفض الأقوال التي لا يعتني بها العقلاء: إن ما يمكن أن يكون نتيجة وغاية لهذا الخلق العظيم، والعالم الكبير، هو بلوغ أفراد قابلة للارتقاء بأوج الكمالات العلمية والعملية، إلى أعلى مراتب السعادة، وتخلقهم بمكارم الأخلاق وتنزههم عن رذائلها، واتصافهم بالملكات الحسنة، وإتيانهم بالأعمال الصالحة، وتركهم للأفعال القبيحة، و وصولهم إلى قرب ساحة رب العالمين، واقترانهم بالملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين المخلدين في جنات ونعيم.
ولما خلق الله عز وجل أفرادا مستعدة للبلوغ إلى مرتبة الكمال فمن ألطافه الكريمة أن يجعل فيهم معلمين ربانيين، يعلمونهم جميع العلوم النافعة، ويكملونهم بأنواع الكمالات، فيبعث فيهم أنبياء منزهين معصومين، يرشدونهم إلى ما هو صلاح دنياهم وآخرتهم، و يعلمونهم علم التوحيد ومعرفة الحق المتعال كأنهم يرونه، وعلم المعاد كأنهم يشهدونه، فيحصل لهم رادع قلبي ومانع باطني عن كل سوء و فحشاء، (1) كما ذكره المتكلمون في تقرير قاعدة اللطف: إن من كان بصدد تحصيل أمر عقلائي وفائدة مهمة، فلا بد أن يهيئ جميع ما يتوقف عليه حصول ذلك، حتى أن من يدعو ضيفا إلى منزله ويكتب إليه مكتوبا، يثبت في كتابه عبارات تحسن عند المدعو، وترغبه إلى تلك الضيافة ونزوله في ذلك المضيف.
ونقول أيضا: لا ريب: في أن منافع موجودات العالم الجسماني ترجع إلى الإنسان، إلا قليلا ينتفع منه غيره، لأن الإنسان أكمل
____________________
1 - وإلى هذا الغرض أشار بقوله عز من قائل: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " فإن العبادة لا تتم إلا بالمعرفة.
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»